صورة مرعبة:للأسف الواقع أسوأ!

صورة مرعبة:للأسف الواقع أسوأ!
الرابط المختصر

تتناغم سخونة قضايا فيلم "بنتين من مصر" (من تأليف وإخراج محمد أمين، وقد شاركت في بطولته الفنانة الأردنية صبا مبارك) مع حرارة المناخ السياسي المصري اليوم، على خلفية مقتل الشاب الاسكندراني خالد سعيد، على يدي رجلي أمن، وارتفاع منسوب المعارضة وحدّتها.

الفيلم الجريء جداً، يعرض في دور السينما في القاهرة الآن، وإن كان يتناول موضوعاً اجتماعياً حسّاساً وهو "عنوسة الفتيات"، التي تستمر معدّلاتها بالازدياد في مصر والدول العربية الأخرى، إلاّ أنه يلج من هذا الموضوع إلى الأزمات الاجتماعية والسياسية الأخطر، ويطرح موضوعات في غاية الجرأة بنصّ متماسك عميق، يتسلل إلى المشاعر الإنسانية المكبوتة والمعلنة ما بين الهم الطبيعي والغريزة الفطرية والقمع السياسي والأمني والأزمة الثقافية- الاجتماعية الطاحنة.

ثمة دائرة متكاملة يلتقطها الفيلم بين الأزمات كافة، فأزمة العنوسة، التي تصل في مصر إلى ملايين الفتيات، لا تنفك عن الظروف الاقتصادية الضاغطة على المجتمع، ما يجعل من خيار الزواج والارتباط ثقيل الوطأة على جيل الشباب الباحث عن فرص عمل غائبة. ومن هذه الزاوية، تحديداً، يشتبك الفيلم مع ظاهرة هجرة الشباب المصري واغترابه بالعمل في ظروف سيئة وغير إنسانية، ويُسقط المخرج، بذكاء، مشهد العبّارة المصرية التي غرقت في البحر الأحمر (وأثارت صدى سياسياً هائلاً حينها) في قلب الفيلم، ليقدّم صورة مقطعية مؤلمة للغاية لأهالي الضحايا، وهم ينتظرون الجثث، ولسوء تعامل الحكومة المصرية مع الكارثة.

ثنايا مشهد "ابتذال" كرامة الإنسان لم تترك "القمع الأمني" ودوره الكارثي في تكسير الحريات العامة وانتهاك حرمات الإنسان، سواء في شخصية الطبيب الذي يتحوّل إلى "مخبر" على زملائه من المعارضة، تحت وطأة اليأس والإحباط، أم في شخصية المترجم الذي يشترك في حوارات على شبكة الإنترنت مع إحدى بطلات الفيلم، ويطلق على نفسه كنية "اللامنتمي"، ويتحدث باستمرار عن الأوضاع العفنة والسيئة، ما يجعله يعزف عن الزواج والإنجاب لعدم توريط أبنائه أو أحدٍ آخر في هذه الحياة البائسة.

ينتهي المقام بـ"اللامنتمي" بالاعتقال، بعد كتابة مقالة عبر النت عن حادثة العبّارة، فيما يكون مصير المهندس الزراعي المكافح الذي كادت أن ترتبط به بطلة الفيلم إلى الهرب خارج مصر، بعد أن تراكمت عليه الديون المترتبة على مشروعه الزراعي في الصحراء.

أحسب أنّ المخرج نجح بالتقاط خطوط التماس والوصل بين الأزمات النفسية والاجتماعية والمشكلات الثقافية والتناقضات الهائلة التي يعيشها الشباب العربي مع الضغوط الاقتصادية القاسية وما تلقيه هذه وتلك من أعباء نفسية ثقيلة على نفوس الشباب وتوجهاتهم بين الإحباط (الارتهان إلى العمالة أو اللجوء إلى التطرف) أو اللاانتماء، واللامبالاة، والبحث عن أي هجرة بأية شروط.

صحيح أنّ الصورة التي يقدّمها الفيلم مرعبة جداً، لكن بالتأكيد الواقع أسوأ وأكثر رعباً وقلقاً، فيما يتلاشى، لسوء إدارة الأزمة السياسية، أي أفق للخروج من نفق هذه الأزمات!