صفقة القرن.. المؤامرة الكاملة

صفقة القرن.. المؤامرة الكاملة
الرابط المختصر

إبتدأ الحديث في صفقة القرن يأخذ منحاً يكتنفه الرعب السياسي والخوف من المجهول ومما قد يكون قادماً. وإنضم الحكام الذين يعلمون بخفايا الأمور إلى الشعوب التي لا تعلم حقيقة ما يجري ، في التعبير عن المعارضة والرفض والتخوف مما هو قادم، كُلٌّ لأسبابه المختلفة وأهدافه المتباينة . وإبتدأ الجميع يقيسون الأمور ونتائجها كل حسب مقاسه السياسي وقناعاته وشجاعته ودرجة إلتزامه بالثوابت الوطنية .

وأخذ المعظم يبدي إستعداداً متزايداً لتوجيه الإتهام ولإلقاء اللوم على أطراف أخرى ناسين أو متناسين أن مصدر الأذى والخطر هما أمريكا وإسرائيل . وإبتدأ الحكام العرب بالصراخ والعويل وكأنهم قد تفاجؤا بما هو قادم ضمن إدعاء كاذب بأنهم لا يعلمون من أمره شيئاً، مطالبين شعوبهم بالتظاهر من أجلهم وإبداء مظاهر التأييد لشيء لا تعلم الشعوب حقيقته، ولم يتبرع أي من الحكام بإيضاحه لهم ، سوى التصريح بأنهم يتعرضون لضغوط أمريكية هائلة وكأنهم بذلك يمهدون الطريق لتبرير القبول أكثر منه لرفض تلك الضغوط ولما هو قادم .

"صفقة القرن" هي في أصولها وواقعها ونتائجها "مؤامرة القرن" ولا شيء غير ذلك . وسيناريو القبول المباشر أو القبول غير المباشر بها من خلال الرفض الكاذب هو جُلّْ ما يفعله الحكام العرب الآن . إن تآمر الحكام العرب مع "مؤامرة القرن" هو أمر تشعر به الشعوب ويخيفها ويؤرقها . وهكذا فكلما تباكى الحكام وصرخوا بأعلى الأصوات بأنهم رافضون لما يجري ولما هو قادم وأنهم واقعون تحت ضغوط أمريكية هائلة ، فإن هذا الموقف يشكل في حقيقته تمهيداً للقبول من خلال الإدعاء بالرفض كما أسلفنا ، أو من خلال تشويه الحقائق وتوجيه بوصلة الإتهام إلى أطراف أخرى غير إسرائيل وأمريكا .

مصير الأمم الضعيفة والمفككة غالباً ما يكون بيد الآخرين . والعرب ، ومنهم الفلسطينيون ، يعانون الآن من الضعف والتفكك إلى الحد الذي يسمح للآخرين ومن بينهم أعداء تاريخيين للعرب ، بتقرير مصيرهم والبت في شؤونهم حتى دون الرجوع إليهم .

ما نحن بصدده الآن ، ودون أي مواربة أو لف ودوران ، هو مسعى أمريكي – إسرائيلي حثيث يهدف إلى إستغلال حالة الضعف والتشتت العربي والفلسطيني لحل المشكلة الإسرائيلية من خلال إلغاء نقيضها وهي "القضية الفلسطينية" بإستعمال أدوات وأموال عربية وقبول عربي / فلسطيني ، وهو ما يسمى في أدبيات الجريمة "بالجريمة الكاملة" التي تهدف إلى إخفاء أصول الجريمة ومرتكبيها ، وأحياناً تحويل الجاني إلى ضحية تستحق الشفقة والدعم . ولكن التاريخ يعلمنا خلاف ذلك . فاليهود ليسوا براء من دم المسيح ولن يكونوا مهما فعلوا ، كذلك هو الحال بالنسبة لفلسطين والفلسطينيين ، فاليهود مهما فعلوا لن يكونوا في أي يوم من الأيام براء من دم الفلسطينيين .

وبالمقياس نفسه ، على الحكام العرب أن يعلموا بأن دم الشعوب أقوى من حديد البنادق ونار البارود والكذب وتلفيق الحقائق . وما جرى لزين العابدين في تونس والقذافي في ليبيا والبشير في السودان وبوتفليقه في الجزائر والقائمة تطول ، يؤكد ذلك . وهكذا ، فإن حبل النجاة من خلال الإستبداد والفساد والتآمر والكذب يبقى حبلاً قصيراً حتى ولو طال الزمن .

المغفرة والغفران ممكنين في حالة الخطأ أو الجريمة القاصرة ، أما في حالة التآمر مع العدو فلا يوجد مغفرة أو غفران والشعوب مهما استكانت فإن عوامل القهر والغضب سوف تؤتي أوكلها في النهاية وسوف يدفع الحكام المنحرفين الثمن .

من الملاحظ مؤخراً أن العديد من حكام العرب أخذوا يتباكون معلنين رفضهم لصفقة القرن دون الإفصاح عن حقيقة ما يرفضون في الوقت الذي تتناقض فيه أقوالهم مع أفعالهم . وهذا الوضع يشير بشكل واضح إلى أن النوايا الخفية تختلف جذرياً عن الأقوال والتصريحات العلنية . فحتى الآن لم تشاهد الشعوب العربية موقفاً حازماً من حكامهم في موضوع القدس أو اللاجئين أو الجولان بإستثناء التصريحات التي تخلو من أي معنى حقيقي أو إجراآت عملية أو عقابية ، وما زالت قبضة الحكام على شعوبهم لمنعهم من التعبير عن الغضب والرفض لتلك السياسات قائمة . وإذا كان هذا هو واقع الحال ، فلماذا يشكوا الحكام العرب من تعرضهم للضغوط ؟.

من الملاحظ أن التحالفات السائدة بين بعض الدول العربية من خلال حكامها هي تحالفات لخدمة مخططات مشبوهة في الوقت الذي لا يوجد فيه أي تحالف عربي لمقاومة تلك المخططات المشبوهة . إن إبتعاد الشعوب عن مراكز صنع القرار قد أضعف من قدرتها على التأثير على مجرى السياسات في بلادها . وهذا قد جعل من تلك الدول تجسيداً للرؤيا السياسية لحُكّامِها ، منتهكين بذلك رغبات وتطلعات شعوبهم وآمالهم السياسية . إن الرؤيا المشتركة لبعض الحكام العرب لا تعكس بالضرورة رؤية شعوبهم، وهذا ما قد يخلق الإنطباع الخاطئ بأن هنالك تأييداً شعبياً لبعض السياسات الإقليمية التي تمس مصالح الدول العربية ، ومنها الإجراآت الأمريكية الأخيرة في دعم المطالب الإسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية المدعومة من القانون الدولي . فالفلسطينيون مثلاً لا علاقة لهم "بالوطن البديل" أو التوطين فهذه مشاريع صهيونية . والفلسطينيون لا يسعوا ولم يسعوا في حياتهم إلى إستبدال وطنهم بوطن آخر بقدر ما كانوا يصرون دائماً على حقهم في العودة إلى وطنهم. وهكذا فإن أي محاولة لتبادل الإتهامات العربية – العربية في هذا السياق إنما تصب في مصلحة العدو الإسرائيلي وفي تبرئة القائمين على صفقة القرن من دم الفلسطينيين والعرب ومن محاولات هدر حقوقهم السياسية.

أما السيادة على القدس فهي سيادة سياسية للفلسطينيين ولا يجوز إختصارها إلى وصاية دينية على بعض الأماكن المقدسة . وهكذا فإن المعركة من أجل القدس ليست معركة وصاية دينية بل سيادة سياسية . والسعي إلى رفع شعار الوصاية الدينية والتظاهر من أجله مع التجاهل الكامل للسيادة السياسية وعدم ربطهما معاً هو أمر مرفوض . ومع أن التطورات الأخيرة تشير بوضوح إلى رغبة إسرائيل في الإستيلاء على السيادة السياسية والوصاية الدينية معاً، إلا أن إستبدال مطلب السيادة السياسية بالوصاية الدينية أمر يناسب إسرائيل كون السيادة السياسية هي حق فلسطيني في حين أن الوصاية الدينية هي منحة إسرائيلية طبقاً لمعاهدة وادي عربة .

ما يجري هو في الواقع أقرب إلى مسرحية رديئة الإخراج ، الطرف المؤثر والفاعل فيها وهو أمريكا وإسرائيل يكتفي إما بالفعل المؤثر ، أو بإعطاء تصريحات مقتضبه تهدف إلى مساعدة حكام العرب على البكاء والعويل على حتمية ما هو قادم وليس على مقاومة ما هو قادم ، والفرق بين الإثنين كبيراً وكبير جداً .

لا يوجد حل لما هو قائم وقادم إلا الرفض الفلسطيني العلني القاطع والمانع من القيادة والشعب الفلسطيني بكل أطيافه ، ووجوب فرض ذلك الرفض بالتالي على جميع الحكام والأنظمة العربية . وهكذا ، فإن من يريد منهم القبول عليه أن يفعل ذلك بشكل يُناقض الموقف الفلسطيني . على الفلسطينيين أن لا يسمحوا لأحد من حكام العرب بالإختباء خلف قبول فلسطيني مزعوم والإدعاء بأن إستسلامهم هو إستجابة "لموقف الأخوة الفلسطينيين" أو كما يَدَّعون . على الشعوب العربية أن لا تسمح للقادة بالتلاعب بها وعلى الشعب الفلسطيني تحديداً أن لا يسمح للقادة الفلسطينيين والعرب بالتلاعب بهم وبقضيتهم.