شياطين الفقر وملائكته!

شياطين الفقر وملائكته!
الرابط المختصر

يستوطن الفقر في كل موقع ، وقد كنت تسمع عن الفقر ، باعتباره فقر البطون ، غير انه اليوم ، بات جارحاً وحاداً ، لايترك احداً من شره.

تغير مفهوم الفقر في الاردن ، فقد كان الفقير هو قليل الدخل الذي لايكفيه دخله ، لمتطلبات بيته البسيطة ، واليوم بات يشمل العاملين والعاطلين عن العمل على حد سواء ، لانه صار يعني عدم توفر العلاج ، وعدم توفر المال لدفع رسوم الجامعة ، وعدم القدرة على الزواج ، ويعني ايضا ، فواتير الخلوي والسجائر والوقود.

الذي يغتصب ابنته لخمس سنوات ، فتحمل منه ، فيحاول اجهاضها فتموت ، كما جرى قبل ايام ، لم يفعل ذلك لانه فقير ، بل لانه مشّوه ومريض ، وغير آدمي ، لان هناك من يقول ان الفقر يجلب كل الامراض والبلايا ، وهو تبرير ساقط ، فقد كان الناس فقراء تاريخيا ، ولم تنحرف اخلاقهم الى هذه الهاوية ، غير ان للكلام ظلالا.

ظلال الكلام تقول ان للفقر تأثيرات ، ابرزها الحرمان ، وحين يعاني المرء من الحرمان يسرق ويقتل ويتنازل عن شرفه في حالات اخرى ، ولايؤدي الفقر الى هذه النتائج لكونه فارس الملعب ، بل لغياب الدين ، وثقافة الحلال والحرام ، اي انه يستبد بضحاياه ، اذا كانوا يعانون اساسا من هشاشة اخلاقية.

المساعدات الاطفائية لاتحل المشكلة ، ولربما المفارقة ان موظفي وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية ، وهم من يساعدون الفقراء تنطبق عليهم شروط الفقر ايضا ، والمُعتل لايعالج معتلا ، ومايحصل عليه الناس من دنانير قليلة لاتدفع ايجارات بيوتهم ، فمن اين يعيشون وكيف ينفقون.

لم يعد الفقر كسابق الزمان ، ذاك الفقر الذي انتج مبدعين ومتفوقين درسوا تحت ضوء السراج ، وهو ايضا في حده الاعلى لايسمح باستيلاد أنموذج الاب المتوحش سابق الذكر ، لكنه بالتأكيد الاب الشرعي والوحيد لكل هذه الجرائم والانتحارات التي نقرأ عنها ، وهو اب شرعي ايضا لكل هذه "العصبية" و"الغضب" في وجوه الناس.

الفقر في توطينه البطيء وقدرته الفذة على سرقة ارواح الناس ، لم يأتً وحيدا ، اذ جاء معه عالم جديد كامل من الاستهلاك والاتصالات وتراجع قيمة الدين بين كثرة ، والسيدة الرمثاوية التي قالت ذات مرة ان "الله ستر الفقر بالعافية" اي ان الله خفف حدة الفقر على الناس بدوام الصحة ، كانت تستنبط اخطر قاعدة بشأن الفقر.

لم يعد الفقر مستورا اليوم ، لانه جاء ومعه الامراض الجسدية والنفسية والاخلاقية ، ونار الرغبات والتطلبات ، والحرمان والطبقية والتمايز في الشارع والحي ، وهي نار متقدة في قلوب الناس ، خصوصا ، اننا لم نكن نعرف سابقا الفرق بين الغني والفقير ، لغياب التظاهر والاستعلاء ، اما اليوم ، فهناك فراعنة وبناؤون.

الفقر سابقا كان ينتج ملائكة بشرية ، من طراز رفيع ، اما اليوم فهو لاينتج سوى الشياطين ، في كل مكان ، يتلقون الرشى ويقتلون ويحقدون ويحسدون ويتألمون ايضا ويبكون ، ولايعرفون ان كانوا في المعسكر المناسب ، ام انهم لابد ان يعودوا للفقر الذي ينتج الملائكة البشرية ، فالقرار لم يعد قرارهم ، والشيطان هنا ضحية ، فلم يتشيطن بقرار ذاتي.

"لو كان الفقر رجلا لقتلته" ، والقائل لايعرف انه بات "رجلا" في كل بيت