شيء اسمه الإهمال!
أفاق قرّاء "الغد" أمس على قصة مأساوية ومحزنة عن الطفل عبدالله القواسمي (4 أعوام)، والذي قضى بعد أن نزل من باص الروضة. وبحسب رواية والد الطفل، فإنّ الباص لم يضعه كما هو مطلوب أمام باب المنزل، فانتهى به الأمر تحت العجلات. وهذه هي الحالة الثانية خلال أسابيع قليلة، بعدما غرقت طفلة صغيرة في بركة مدرسة خاصة أخرى!
وإذا كانت حدود المسؤولية والحكم مرتبطان بتحقيق وزارة التربية والتعليم، إذا ما تمّ اكتشاف عدد من المخالفات في الحالتين، إلاّ أنّ تكرّر مثل هاتين الحادثتين، خلال فترة وجيزة، يشير -كما تقول الزميلة نادين النمري في تقريرها عن الطفل القواسمي- إلى ضعف نظام الرقابة المؤسسية، والذي يحتاج بالفعل من الوزارة إلى إعادة نظر، لتشديد التعليمات والإجراءات، بما يضمن سلامة التلاميذ وحياتهم ويطمئن المواطنين، بعد هذا القلق الذي أثارته هاتان الحادثتان.
قرار وزير التربية والتعليم كان شجاعاً بخصوص الحادثة الأولى؛ إذ طالبت الوزارة مالك المدرسة بإقالة المديرة. وهو أمر طبيعي في مفهوم المسؤولية الأدبية والأخلاقية. لكن المفارقة كانت بأن حاول عدد من العاملين في المدرسة الحشد ضد قرار "التربية والتعليم"، عبر الاستعانة ببعض الأهالي والطلبة، ولا أعرف فيما لو كان الضحية هو ابناً أو بنتاً لهؤلاء، هل سيكون ذلك موقفهم أو سلوكهم؟!
كنّا نتحدث في مقال أول من أمس "مثلنا تماماً!"، عن رئيس وزراء كوريا الجنوبية الذي استقال نتيجة لما اعتبره الرأي العام تقصيراً في دور الحكومة في إنقاذ الركاب من العبّارة الغارقة، ما خلّف 300 مفقود وقتيل، وربطنا ذلك بثقافة الاعتراف والاعتذار وتحمّل المسؤولية. وهو ما ينطبق، تماماً، على هذه الحوادث المؤسفة في مدارسنا الخاصة، التي من المفترض أنّ الأهل يدفعون ثمناً كبيراً من أجل تأمين تعليم وحياة مدرسية محترمة لأبنائهم فيها، لا لتذهب قلوبهم عليهم حسراتٍ بسبب إهمال واستهتار من قبل إدارات المدارس أو المعلّمين، أو حتى العاملين في هذه المدارس!
إذا غاب منطق المسؤولية والمحاسبة والمساءلة عن سلوك الناس ومواقفهم وأدائهم لواجباتهم ومهمّاتهم، فإنّ النتيجة ستكون مثل هذه الحوادث المأساوية، وتفشّي حالة الإهمال والاستهتار. فالتعريف المبسّط للإهمال هو "نوع من أنواع الضرر والجرم، جنائياً كان أم مدنياً، يستحق عقوبة جزائية. والإهمال يستشري في الدول المتخلفة لغياب الوازع أو الرادع".
للأسف، ليس فقط على صعيد المدارس، بل في مختلف شؤون الحياة، نجد أنّ تلك الآفة انتشرت وتمدّدت، وأصبحت سمة الإدارة والعلاقات داخل المجتمعات العربية، وجزءاً من الثقافة العامة، وكأنّها هي الأصل؛ بينما الدقّة والأمانة في تحمّل المسؤولية والالتزام بالقوانين والأنظمة، والتفاني في العمل، هي الاستثناء والأمر النادر!
من أين نبدأ؟ من هنا. إذ إن تطبيق مبدأ المسؤولية والعقاب في مثل هذه الحوادث، وفي المجالات المختلفة، هو بمثابة نشر للثقافة المضادة للإهمال والاستهتار. فإذا رأت المدارس الأخرى والعاملون الآخرون العقوبات والأنظمة والمحاسبة يتم تطبيقها بفعالية، فسيبدأون بعملية التقيّد الذاتي والرادع الداخلي، أمّا سابقاً فكانت الأمور تنتهي بالواسطة والمحسوبية وتدخّلات النافذين، ما أدى إلى انتشار حوادث الدهس والعنف الجامعي والمجتمعي وانتشار السلاح واستسهال استخدامه، وضرب الأطباء والمعلّمين، والاعتداء على حرمة قاعات الثانوية العامة، وغياب المعايير القانونية والإدارية في التعيين والقبول الجامعي... إلخ.
إذا كنّا نتحدث عن دولة القانون وعن مفهوم المواطنة، فهي ليست مفهوماً نظرياً مجرّداً، بل ثقافة وممارسة تبنيان وتتجذّران في قيم ومواقف وسلوك الجميع.
الغد