"شظايا" الأزمة الخليجية!
من الواضح أنّ مركز القرار (الأردني) يتجنّب الإعلان عن أيّ موقف سياسي بخصوص الخطوات الخليجية الأخيرة، سواء نحو دولة قطر، أو نحو الجماعات الإسلامية الأخرى، وفي مقدّمتها جماعة الإخوان المسلمين. وهو موقف (أو لاموقف، للدقة) متوقّع تماماً، على الأقل إعلاميا ودبلوماسيا.
على الصعيد الاستراتيجي، فإنّ التموضع الأردني، إقليمياً وسياسياً، واضح؛ لا يحتاج إلى تحليل أو قراءة معمّقة. فرهانات "مطبخ القرار" في عمان، تقع في دائرة التحالفات الخليجية، وتحديداً الشراكة مع كلّ من الإمارات والسعودية، في دعم الانقلاب العسكري في مصر، وفي تأطير موضوع الدعم للفصائل السنيّة المقاتلة في سورية، بما يتناسب مع رؤية تلك الدول، وهو ما يفسّر الهدوء والقيود الكبيرة في الجبهة الجنوبية لسورية (مع الأردن)، مقابل الجبهة الشمالية (التركية) المفتوحة.
قراءة القرارات الخليجية الأخيرة (باستثناء الكويت وعُمان) تنبني على إدراك الخلافات الجوهرية في الرؤية السياسية للمشهد الإقليمي بين تلك الدول من جهة، وقطر من جهة أخرى، وشعور تلك الدول بأنّ السياسة الخارجية القطرية تسير في اتجاه معاكس تماماً لمصالحها ورؤيتها.
في خلفية هذه الاصطفافات الإقليمية، تتوارى رهانات متضاربة؛ ومشروعات استراتيجية-رئيسة في المنطقة، ذات مسارات متضاربة:
المسار الأول، هو المشروع التركي (بالتوافق عملياً مع الرؤية القطرية). وهو مشروع يقوم على دعم التغيير في المنطقة، والسير مع رياح الثورات العربية، حتى لو كانت النتيجة وجود الإسلاميين في السلطة. ما خلق مساحات كبيرة من اللقاء والدعم بين السياسات الخارجية التركية والقطرية من جهة والحركات الإسلامية من جهة أخرى، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين و"حماس" وقوى الإسلام السياسي الأخرى.
المسار الثاني، هو ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي، والذي يضع رهاناته على "إعادة ترميم" النظام الرسمي العربي، وحماية الملَكيات من التغيير، واستعادة مصر، عبر دعم المؤسسة العسكرية ضد الإخوان، وإعادة تعريف مصادر التهديد الإقليمية والداخلية لتتشكّل من جماعة الإخوان المسلمين في الداخل، والسياسات التركية-القطرية إقليمياً، والنفوذ الإيراني.
المسار الثالث، هو ما يرتبط بالنفوذ الإيراني الإقليمي. وترتكز رؤية إيران على دعامتين رئيستين: الأولى، الاعتراف بها كقوّة إقليمية (لها مناطق نفوذ). والثانية، استثمار "العامل الشيعي" كورقة من أوراق الدعم والضغط ومدّ النفوذ في المنطقة العربية.
واقعياً، وبالرغم من أنّ الأردن متوافق مع الرؤية الخليجية (السعودية-الإماراتية خصوصاً) في تعريف الأمن الإقليمي، وما يحدث في كلّ من سورية ومصر، إلاّ أنّه أكثر تحفظاً فيما يتعلّق بتمرير السلاح نحو سورية من جهة، وفي الموقف من جماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، حتى وإن كانت العلاقة تشهد تأزّماً بين الدولة والجماعة في الأردن، منذ أعوام، والإخوان خارج اللعبة السياسية اليوم؛ إذ إنّ خيار الحظر والتجريم غير منطقي، وغير مطروح في الحسابات الأردنية الداخلية، حتى وإن كان "مطبخ القرار" في عمان يشارك تلك الدول في الموقف الإقليمي من قوى الإسلام السياسي!
كما أنّ علاقة الأردن بقطر، وبالرغم من التشويش الدائم في قنواتها، تخضع لمصالح أردنية واعتبارات مختلفة عن الرؤية الخليجية الأخرى، وترتبط بالعمالة الأردنية الكبيرة هناك بدرجة رئيسة.
مع إدراك هذا التمايز بين الرؤية الإقليمية المشتركة التي تجمع الأردن بهذه الدول، والخصوصيات الداخلية لكل دولة، فإنّ السؤال الذي ربما يعرفه صنّاع القرار في عمّان وهذه الدول، هو فيما إذا كان الأردن على علم بهذا القرار وتمّ استثناؤه منه، مراعاة لمصالحه، وهو الاحتمال الأغلب؛ أم أنّه يعكس تجاوزاً للأردن، من قبل هذه الدول، وتحجيماً لدوره الإقليمي وخلافات غير معلنة معه، لم تصعد إلى السطح بعد؟
الغد