اذا اتفقنا على ان بلدنا في ازمة فان ثمة تصورين - على الاقل - للخروج منها: احدهما الذهاب الى الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد والاخر البحث عن “مخارج” قانونية تسمح لنا بتأجيل الانتخابات لمدة لا تزيد عن 6 شهور مثلا.
من يدافع عن الخيار الاول ويتبناه يرى ان الحل السياسي عبر بوابة الانتخابات هو الافضل دستوريا وسياسيا، فهو يجنبنا - مثلا - التفكير باعلان “الاحكام العرفية” ويؤكد صدقية الدولة، كما ان نزاهة العملية ستعيد جزءا من الثقة لدى الناس تفصلنا عن موعد الانتخابات باجراء ما يلزم من “حوارات” استعدادا لليوم الذي يلي ممارسة المجلس لمهامه، ويمكن هنا الاشارة الى ثلاثة حقول يمكن “العمل فيها” لانجاز مهمة “اعادة ثقة الناس”بالدولة، حقل المصارحات التي يفترض ان تنهض بها الدولة من خلال الاعتراف بالاخطار التي تمت في السابق وتجديد طبقة سياسية مؤهلة وموثوق بها لتطمين الناس على تشكيل مرحلة جديدة مختلفة عن الماضية، ثم حقل المحاسبات وفيها لا بدّ من فتح ملفات الفساد، بكل اشكاله، وازالة الغطاء السياسي عن المتورطين فيه، وربط “قضاياهم” بالقضاء فقط، اما الحقل الاخير فيتعلق باجراء ما يلزم من مصالحات سياسية واجتماعية لتأسيس حالة من “التوافق” الوطني، تجمع ما يمكن من اطياف العمل السياسي والاجتماعي على اساس “مدونة” تتضمن حلولا واضحة “للازمة” التي نمر بها، مع وجود ضمانات من الدولة بالدفاع عنها، ان لم يمكن تنفيذها من خلال البرلمان.
السؤال: هل سيقبل الاسلاميون بهذه الوصفة؟ اذا حصل سنكون قد تجاونا “عتبة” الازمة، واذا لم يحصل، فان امام الدولة اذا اصرت على خيار “الانتخابات” العمل على خطين متوازين: خط الحراكات الشعبية، وخط “القضايا” المعيشية للناس، وعلى الخطين معا يمكن “التفاهم” على نقاط محددة تلبي الحدّ الادنى من مطالبات الشارع: حكومة توافقية مثلا، محاسبة الفاسدين، مراجعة القرارات الاقتصادية الاخيرة، حسم ملف “الجنسيات” ... الخ، وبالتالي يمكن “للاخوان” ان يبقوا في الشارع بلا “سند” شعبي، وسيشعرون عندها “بالعزل” السياسي الذي ربما يدفعهم اما الى “التهدئة” واما الى “البحث” عن منافذ للمشاركة.
اما من يدافع عن الخيار الاخر وهو تأجيل الانتخابات، فينطلق من فرضية مفادها ان اجراء الانتخابات وسط هذه المناخات الشعبية والسياسية “المتأزمة” سيعمق الازمة، وبالتالي سنكون امام مجلس جديد يشبه تماما المجلسين اللذين تم حلهما في العامين الماضيين.
وحين تسأل هؤلاء عن الحل، يقولون: يمكن التفكير بالاحكام العرفية ولو لمدة اسبوع، وهذه قد تبدو وسيلة غير ديمقراطية لكن “الغاية” تبررها، ما دام انه بمقدورنا ان نتجاوز معضلة “المقاطعة” وندخل عبر قانون “توافقي” الى انتخابات تفرز مجلسا “معتبرا” نسبيا وحكومة تنبثق عنه تستطيع ان ان تطرح خطة “انقاذ” وطني وتساعدنا في الانطلاق نحو مرحلة انتقالية حقيقية يكون “الحوار” فيها على الطاولة بدل الشارع.
وجهتا النظر تستحقان التفكير، لكن قبل ذلك لابدّ ان نعترف - جميعا - بان لدينا “ازمة” عميقة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبان الخروج منها يحتاج الى “مشاركة الجميع” كما ان اسبابها يتحملها الجميع (الاختلاف هنا في الدرجة لا في النوع)، وهذا يجعلنا اكثر قدرة على استبصار اهدافنا، ووضع “مصالحنا العليا”: مصلحة الدولة والجماعة الوطنية والناس والنظام، كأولوية مطلقة بدل ان تأخذنا صراعات “المصالح” الى ما لا نريده ولا نتمناه:
.. واجبنا - بالطبع - ان نوجه النقاش العام حول هذين التصورين، اما اذا سألتني الى ايّ - منهما انحاز_ سأجيب بلا تردد: الى ايّ منهما اذا انجزنا موضوع “الثقة” بالدولة.. فبعد ذلك تهون كل مشاكلنا.
الدستور