سورية والحلول الأردنية
الحل المطروح هو أحد السيناريوهات التي حملها الملك إلى واشنطن
أثبتت التطورات الأخيرة في الملف السوري صحة الموقف الأردني في التعاطي مع الأزمة بإيجابية عالية من دون التورط في التفاصيل على الأرض، خاصة لجهة تقديم الدعم اللوجستي للمعارضة المسلحة أو تقديم التسهيلات للقوات الأمريكية أو غيرها في السعي نحو إسقاط النظام.
ولم يَسلم الأردن من الضخ الإعلامي المباشر الذي كان يهدف إلى توريطه في الأزمة السورية، لكنه ولمعرفته الدقيقة بخطورة الأحداث السورية نأى بنفسه عن الدخول في مجاهيلها مُصِرًا على موقفه الداعي إلى الحل السياسي بمشاركة الأطراف السورية كافة.
لا شك أن جلالة الملك عبدالله الثاني قد حقق هدفه الرئيسي من زيارته إلى واشنطن ولقائه الرئيس باراك أوباما ولجان الكونغرس هناك قبل أسبوعين، حيث حمل جلالته رسالة واحدة للإدارة الأمريكية تتلخص في دفعها إلى مزيد من " القيادة الفعالة" والتعاون الإيجابي بما يبدد مخاوف الاتحاد الروسي وينهي الصراع المسلح في سورية بما يضمن وحدة أراضيها ومكوناتها الاجتماعية والدينية والإثنية.
فالاتحاد الروسي حمى النظام السوري سنتين متتاليتين، ومنع انهياره، ولجم التدخل الدولي عبر الأمم المتحدة، لكن روسيا في الوقت نفسه تقف عاجزة عن اجتراح الحلول السياسية أو العسكرية التي تؤمّن استمرار نظام الأسد بعد أن أصبحنا أمام توازن عسكري على الأرض يعجز من خلاله كل من الطرفين "السلطة والمعارضة المسلحة" عن إنهاء الآخر، ما أطلق ضرورات الحل السياسي وتفيعل التدخل الدولي، لفرض حل يجنب سورية النموذج العراقي .
ويقف النظام السوري اليوم أمام فرصة أخيرة للحل السياسي العقلاني بعيدا عن عقدة "الانتصار"، وهي فرصة يجب أن لا تُضَيَّع مثل سابقاتها، وأن لا ينتشي النظام ومناصروه وهم يشاهدون اكتواء دول الجوار بلهيب وتداعيات الأزمة السورية، بل يجب أن يذهب الجميع باتجاه عقلاني لوضع حد للحرب وتداعياتها، بما يضمن وحدة سورية أرضا وشعبا، ويحقن الدماء والدمار، ويفوِّت الفرص على الطامحين.
الولايات المتحدة ودول العالم كلها تعلمت من تجربة العراق بعد أن أدى الغزو الأمريكي إلى تفكيك الدولة وأجهزتها والوصول إلى مشارف الحرب الطائفية، وفي الحالة السورية، تتحول الأحداث إلى حرب طائفية قد تؤدي إلى تفكيك الدولة، وضرب عامل الاستقرار في المنطقة، وهي نتائج يبغضها الجميع ولا يريدون الوصول إليها.
الأردن كان موقفه إيجابيا في بداية الأحداث السورية من مطالب المتظاهرين، فهو يريد أن تلبي الثورة السورية طموحات الشعب السوري بحكم ديمقراطي يشارك فيه السوريون جميعا، وفي المقابل فإن الخوف من استمرار الاستنزاف وتدمير سورية او تقسيمها هي هاجس اردني، لذا فالاردن غير متحمس لبقاء النظام على حاله وخروجه من الأزمة واستمرار بطشه، وأيضا غير مطمئن للمعارضة المسلحة التي سكتت على تشويه صورة الثورة السورية بعد سماحها بدخول آلاف المتطرفين في الحرب ضد النظام، والخيارات أحلاها مُرُّ.
بالفعل الموقف الأردني هو الأنصع والأنظف بين دول الجوار السوري والدول جميعها التي وقفت مع النظام أو ضده ، فالأردن استقبل وما زال يستقبل آلاف اللاجئين السوريين رغم إمكاناته الشحيحية ومخاوفه الأمنية والاجتماعية، وتحمّل الأردن الضغوطات كلها من أجل أن لا يسجل عليه أنه " اصطف ضد الأشقاء"، وهو بذلك لا يبحث عن دور، بل يبحث عن الاستقرار في الإقليم.
العرب اليوم