سنوات عجاف!

سنوات عجاف!
الرابط المختصر

تشير إحصاءات وزارة التربية والتعليم إلى أنّ هناك 13 مدرسة في الأغوار الوسطى لم ينجح فيها أحد من الفرع الأدبي في الامتحان الأخير للثانوية العامة "التوجيهي". أمّا في البادية الشمالية الغربية، فتشير الإحصاءات، أيضاً، إلى أنّ 25 مدرسة هناك كانت نسبة النجاح فيها صفراً.

بالطبع، هذه النتائج المخيّبة ليست سوى رأس جبل الجليد من الواقع التعليمي المتردّي في مدارسنا. إذ إنّ نسبة الرسوب، وتدنّي المعدّلات، كشفا الفضيحة الكبرى في تاريخ التعليم الأردني، وتتمثّل في أنّ آلاف الطلبة الذين حازوا على معدّلات مرتفعة خلال السنوات الماضية، ليسوا مؤهّلين أبداً؛ فقد اعتمد كثير جداً منهم على الغش، حصرياً، في امتحان الثانوية العامة، بسبب تراخي الدولة وضعف وزراء تربية وتعليم سمحوا لتلك الانتهاكات أو الجرائم بحق الوطن أن تمرّ مرور الكرام.

لذلك، ومرّة أخرى، فما يسجّل لوزير التربية والتعليم الحالي

د. محمد الذنيبات، أنّه وضع جزءاً رئيساً من الصورة الواقعية الحقيقية لمآلات التعليم أمامنا، بعد أن ضبط ظاهرة انتهاك حرمة القاعات والغش وتسرّب أوراق الثانوية العامة؛ ولنقف على الحقيقة المُرّة، وهي أنّ مستوى التعليم والدراسة متردِّيان إلى أبعد مدى. والنسبة المتدنية من المعدّلات تكشف شيئاً من ذلك!

لكنّ الصورة في الحقيقة، ليست مكتملة؛ لأنّ الوزير تمكّن، مشكوراً، من ضبط الانتهاكات الأمنية للقاعات، أمّا الوسائل الحديثة المتطوّرة، والطرق الملتوية المتعددة، فكان من الصعوبة أن تُضبط هي الأخرى. إذ إنّ الأزمة أصبحت أخلاقية، تضرب قيم المجتمع نفسه؛ فبقيت حتى النسبة الحالية المتدنيّة خادعة أيضاً، وليست دقيقة!

عودةً إلى تلك المدارس التي لم ينجح منها أحد، وإلى صورة التعليم في المحافظات، لنكتشف جزءاً من حجم "الأمّيّة المستترة"، والضعف الشديد في مستوى التعليم إجمالاً في المحافظات المختلفة، ليس فقط على صعيد الثانوية العامة، بل حتى التعليم الأساسي؛ ألا تذكرون عندما تحدّث الدكتور الذنيبات عن وجود قرابة 100 ألف طالب وطالبة في الصفوف الأساسية الأولى (22 % من طلبة الأردن) لا يعرفون قراءة الحروف والأرقام؟!

بدلاً من مواجهة هذه "الكارثة الوطنية"، أي الانهيار في قطاع التعليم، تلجأ الحكومات إلى الهروب إلى أمام عبر نقل المشكلة من المدارس إلى الجامعات، عبر الاستثناءات في القبول الجامعي، وإغراق الجامعات بأعداد هائلة من الطلبة غير المؤهلين. فتصبح المشكلة أكثر تركيباً وتعقيداً، عندما يعبر الآلاف من الطلاب إلى الجامعات، ولاحقاً إلى الوظائف، عبر بوابة "الأقل حظّاً والاستثناءات". وكثيرٌ منهم يصل إلى درجة الدكتوراه، ويصبح مدرّساً، بالطرق الالتفافية ذاتها، وربما يترقّى في الرتب العلمية، وهو ما يزال أميّاً لا يتقن القراءة والكتابة!

مثل هذه الوقائع المريرة المتراكمة الخطرة التي ضربت التعليم العام والجامعي، من المفترض أن يكون وقعها على سمع وقلوب المسؤولين والسياسيين والمواطنين كالزلزال المدوّي؛ فنحن في خطرٍ كبير، وثروتنا الوحيدة، وهي الإنسان، تتعرّض لموجة تجريف معرفي وثقافي، وتمرّ بأعوام عجاف!

أرجوكم لا تقارنونا بالجيران العرب، لنجد مؤهّلاتنا أفضل! فهم يمتلكون المال والثروات والبدائل، فيما رأس مالنا الوحيد هو التعليم والمعرفة والثقافة. وكان من المفترض أن يكون الأردن اليوم "هارفارد" العالم العربي، لكنّ ما يحدث هو العكس تماماً.

ما الحل؟ باختصار ووضوح وبساطة، سلّموا مفاتيح إحداث ثورة في التعليم وبناء خطة استراتيجية لإصلاحه وتطويره في المدارس والجامعات، لأهل الخبرة والكفاءة الموثوقين؛ وخصّصوا جزءاً كبيراً من المنحة الخليجية لهذا الجانب الحيوي، كي تنقذوا مستقبلنا!

مستوى التعليم في المحافظات بخاصة، مؤشّر على أزمة مركّبة سياسية-اقتصادية، وعلى الاختلال في قيمة العدالة، كما دلالة على الخلل البنيوي في سياسات الدولة.

الغد