سلطة التواصل الاجتماعي

سلطة التواصل الاجتماعي
الرابط المختصر

دوّنت ناشطةٌ على صفحةٍ للمقاطعة الشعبية الأردنية في "فيسبوك"، الأسبوع الماضي، سطوراً قليلة، تطلبُ فيها الانسحابَ من منصاتٍ وصفحاتٍ، يُديرها "إعلاميٌّ" حكوميٌّ، ردّاً على شتمه المُقاطعين، وتخوينهم.

في أقلّ من ساعةٍ، سجّلَ المنشورُ آلاف المتفاعلين: تأييداً، ومشاركةً، وتعليقاً. كلهم حضروا في التوقيت نفسه، وانتشروا إلى متوالية من صفحاتٍ وبواباتٍ ووسائط أخرى، بسرعةٍ ليست مُفاجئة على الشبكة، ليشكّلوا حملةً ضدَّ "هدفٍ مُعادٍ" أدّت بعد 24 ساعةٍ، إلى خسارته معنويّاً وماديّاً، مع انسحاب آلاف المتابعين من صفحته، وهؤلاء، مثلُ غيرهم، يساوون أرباحاً تجارية مباشرة.

هذه سلطةُ المحتوى الجديد. ويمكنُ تعريفها بـ"مقاومة بنيوية" مؤثرة وشرسة. الأهم أنها تتطوّر، وتُربكُ سلطةً قديمةً، كالدولة الأردنية، في معاندتها الحداثة، وفي سؤال الجدوى من إعلامها الرسميّ، وربّما تفرضُ عليها التفكيرَ بضمّهِ إلى دائرة الآثار العامة، مثل إرثٍ تاريخيّ من زمنٍ تولّى، لم يعد يصلحُ إلا لزيارات الوفود المدرسية، والتقاط الصور التذكارية مع مطابع الصحف واستوديوهات التلفزيون، ومشاهدة مراحل تآكل اللغة وانقراضها كسياقٍ دعائيّ.

الدولةُ، ما تزال مُتخلّفة في هذا السباق. المؤكد أنه حينَ بدأ قبلَ نحو عشرة أعوام، كانت مشغولةً بقوانين المطبوعات والنشر، وبتعيين مستشارين إعلاميين في الدوائر الحكومية. المواجهة التي تتقنها الآن، هي نفسها التي كانت تعرفها، منذ تأسست تحت هواجس الطوارئ.

مزيدٌ من التشريعات والتدابير الشموليّة، لمكاسرة التطور والتغيير، وادّعاء السيطرة، فيما عجزت السلطة عن أيَ اختراقٍ ملموس لحركة المعارضة الأخيرة. ولم يكن بإمكانها حتى استخدام الأدوات الحديثة، بالنجاعة والفاعلية التي حققتها المقاطعة، وقد تنبّهت إلى تنظيم أعضائها على تطبيق "واتساب" في تجلٍّ نابهٍ، لخبرة العمل السريّ، المساند لبوابات علنيّة، مثل خدمة البث المباشر على "فيسبوك"، وإعادة نشر مقاطع الفيديو على "تويتر" و"يوتيوب" و"انستغرام".

كيفَ يستنسخُ الفشلُ ذاته؟

الواضحُ أنّ الدولة التي تُراقِبُ منذُ عقدٍ كامل "المجتمعَ الافتراضي"، لم تُدرك أنّ الدلالة تقنيّة بحتة، ولا تُعبرُ بالضرورة عن واقع الاشتباك الواقعيّ مع الأفكار، والمعلومات. فالتقنية التي أنجبت الوسائط الجديدة، ظلّت تواظبُ على تحديثها، وجعلها أكثر سرعةً وسهولة، كما هي الحروبُ التي تشهدها المنطقة على الأرض، وتوازيها حروبٌ الكترونية، بالتعبيرات ذاتها: دينية. طائفية. مذهبية. والمحاربون في كلا المنطقين ليسوا كائناتٍ افتراضيّة، ولا تسهلُ هزيمتهم بالطائرات والصواريخ، ولا بالقوانين الحكوميّة.

يستنسخُ الفشلُ ذاته، ما دامَ محروساً جيّداً في بيئته، وشخوصها، وأفكارها. وليس خافياً أنّ الدولة تعملُ في هذا الميدان، بلا خطة. لديها وزارةُ إعلام، تشبه وزارةَ داخلية، والوزارتان تشبهان مركزاً أمنيّاً، عندما يتعلّق الأمر بشبكة الانترنت. سلسلةٌ مُحرجةٌ من ردّات الفعل، عوضاً عن الذهاب إلى الشبكة وتغذيتها بمحتوى مؤهل للجدل، وللتفاعل الاجتماعي. تعتقلُ مُستخدمةً، قدّمت محتوىً سطحياً على "سناب شات" عن الأخطاء الطبية، وقيلَ أنها شتمت مستخدمين، كانوا قد شتموها أيضاً. لاحظوا كيفَ تتدخّل السلطةُ في ما لا يعنيها، وتترك كلّ ما يعنيها. ومنه كذلك، اعتقال ناشطين، ومدوّنين، وإغلاقُ صفحات.

سلطةُ التواصل الاجتماعي، نتاجُ التقنية والحواسيب وثورة الاتصالات، ستظلُّ تفرضُ محتواها ومضامينها. ولديها ما يتسعُ من أرض، ويزيدُ من شعوب. فإمّا أنْ تُخاضَ هذه الحربُ بذكاءِ هاتفٍ صغير، وصفحةٍ زرقاء، وإمّا بوزارة إعلام، ومذكّرة اعتقال..

باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.