سر الغموض في الموقف الأردني
رفض مسؤول حكومي التعليق على تقارير صحفية غربية تفيد بأن الأردن والولايات المتحدة يدربان عناصر من المعارضة السورية بهدف إنشاء منطقة عازلة على الحدود الأردنية السورية، بدعوى أنها "منسوبة لمصادر مجهولة"، كما قال المسؤول لـ"الغد".
لكن المفارقة أن الوزير الأردني فضل هو الآخر أن لا يعلق باسمه الصريح على مثل هذه التقارير التي تعج بها وسائل الإعلام الغربية، تجنبا للإحراج في المستقبل!التقارير المذكورة لا تشير فقط إلى عمليات التدريب، وبتفاصيل دقيقة للأعداد والبرامج الزمنية، بل والتسليح أيضا للمقاتلين في مناطق درعا تحديدا.
غموض الموقف الرسمي حيال هذا الأمر الحساس، أو اضطرابه إن شئنا القول، له ما يبرره.
فالأردن لا يريد أن يظهر أن موقفه "المتوازن" من الأزمة السورية قد تغير، لأن الإقرار بذلك علنا ستكون له كلف داخلية وإقليمية لا مبرر لها.
سياسيا، ما يزال الأردن يتمسك بموقفه الداعي إلى حل سياسي في سورية، ويرفض الزج بقواته في الصراع الدائر هناك؛ كما يعارض التدخل العسكري الأجنبي.
في المقابل، أيد جميع قرارات الجامعة العربية الداعية إلى تغيير النظام السوري، ولم يعترض "علنا" على جلوس معاذ الخطيب مكان بشار الأسد في قمة الدوحة، ولا على القرارات التي صدرت عنها بشأن سورية.
يحاول الأردن في كل ذلك أن يجاري مواقف دول عربية "خليجية" وغربية حليفة، بدون التنازل كليا عن هامش المناورة الذي احتفظ به منذ بداية الأزمة.
لكن التطورات المتسارعة وغير المتوقعة على الحدود الشمالية، وتدفق اللاجئين بأعداد كبيرة، أملت على الأردن تبني مقاربة جديدة، لتدارك التبعات الخطيرة المحتملة لانهيار النظام، واحتمال سيطرة مجموعات متشددة على المناطق القريبة من الحدود، أو نشوء حالة من الفراغ الأمني.
وتقضي المقاربة الجديدة بالتخطيط والاستعداد لقيام منطقة إنسانية عازلة داخل الأراضي السورية المحاذية للحدود الأردنية، لإيواء اللاجئين السوريين عوضا عن لجوئهم للأردن، وتأمين الغذاء والدواء لملايين السكان في محافظة درعا وجوارها.
ويعزز التفكير في هذا الخيار الشعور المتنامي بتراجع القدرة العسكرية للنظام في تلك المناطق، واتساع نفوذ مقاتلي المعارضة.خاض الأردن في مناقشات حول فكرة المنطقة العازلة مع مسؤولين في الأمم المتحدة، لبحث إمكانية مساهمة منظماتها الإنسانية في تقديم الخدمات للنازحين والسكان في تلك المناطق.
لكن قبل ذلك، ينبغي تمكين قوات المعارضة من الناحية العسكرية لتأمين الحماية اللازمة.
وفي هذا السياق يمكن فهم دوافع الأردن من وراء تدريب المعارضين السوريين، وتسهيل مرور السلاح إلى المقاتلين في مناطق درعا على وجه التحديد.بيد أنه، وفي كل الحالات، لا يمكن التفكير في هكذا سيناريو وتطبيقه بدون توفير غطاء جوي أميركي.
وهو أمر تعكف الإدارة الأميركية على دراسته، لكنها تأمل أن يساهم تدريب قوات المعارضة "تحت إشراف مدربيها"، ومدهم بالسلاح المتطور من قبل دول عربية، في جعل مهمة الولايات المتحدة في أضيق إطار ممكن، أو الاستغناء عنها تماما إذا ما تمكنت المعارضة من شل قدرة النظام السوري على الوصول إلى المناطق الجنوبية.
رغم ذلك كله، لا يمكن القول إن الأردن قد تبنى بشكل قاطع شعار إسقاط النظام السوري، كما هو حال دول عربية انخرطت مبكرا في الأزمة.
كل ما يسعى إليه الأردن هو درء المخاطر عن حدوده، وتأمين الحماية والخدمات للاجئين السوريين داخل أراضيهم.
بهذا المعنى، تكون المصالح تطابقت وإن اختلفت الأهداف. في كل الأحول، الوصول إلى درعا يعني أن الطريق إلى دمشق أصبحت مفتوحة.
الغد