"سايكس بيكو" الجديدة.. الأردن يختبئ في الظلال!
قبل اندلاع الثورة في سورية، وتحولها إلى صراع دموي، لم يكن لأحد أن يتوقع سجالا من النوع الذي نشهده اليوم، على العكس تماما؛ فالثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن منحت الشعوب العربية الأمل، ولأول مرة، بأن الوحدة ممكنة بين أقطار حرة وديمقراطية.
لكن مسار الأحداث في سورية قلب التوقعات؛ الحديث في العواصم ودوائر صنع القرار اليوم هو عن مزيد من التقسيم والتفكيك؛ عن "سايكس بيكو" جديدة في المنطقة، تعيد رسم الخرائط والحدود.
المنحى الطائفي الذي اتخذته الأزمة السورية، وانتقال العدوى المبرمج للعراق المجاور، وحراك الأكراد في أكثر من دولة، وقبل ذلك التوتر المزمن في العلاقة بين الطوائف اللبنانية، وحضور إيران بخطابها المعهود في المشهد العربي؛ عوامل اجتمعت وبشكل مكثف وفي مرحلة قصيرة نسبيا، دفعت كلها بالساسة والمحللين إلى الاستنتاج بأن المنطقة على مشارف مرحلة جديدة، يختصرها دبلوماسي غربي بعبارة صاعقة: "المنطقة ستغرق في حروب أيديولوجية، والوجود الأجنبي سيزيد من نتائجها المأساوية".
الذي حدث، ببساطة، هو أن القوى المحركة للربيع العربي فشلت في التحكم بديناميكيات الصراع في المنطقة، ومنع المواجهة الطائفية.
وبالنتيجة، بدأ دور الشعوب يتراجع لصالح الطوائف، كما حلّت المرجعيات الدينية مكان القوى الحزبية المدنية.
في سورية مثلا، ثمة انطباع سوداوي مفاده أن الصراع انتقل إلى مرحلة يستحيل معها الحل السياسي والحسم العسكري، ما يجعل سيناريو التقسيم المخيف يطل برأسه.
يجزم سياسي غربي خبير في شؤون المنطقة، أن دولا مثل سورية والعراق لن يستمرا في المستقبل كما هما اليوم؛ ستولد دويلات جديدة ذات طابع طائفي. والمفارقة، حسب رأيه، أننا ربما نشهد ولادة دولة كردستان قبل ولادة الدولة الفلسطينية العتيدة.
الولايات المتحدة لا تشجع على مثل هذا السيناريو. لكن في حال موافقة الدول المعنية بالقضية الكردية، فلن تمانع بقيام كيان كردي مستقل.
بالنسبة لعموم العرب في بلاد الشام والعراق، "سايكس بيكو" هي العنوان العريض لمأساة اغتالت أحلام الشعوب في الوحدة، ومهدت لضياع فلسطين في اتفاق آخر مشؤوم.
لكن على وجاهة هذا المنطق، فإن حدود "سايكس بيكو" التي رسمتها الدول الاستعمارية صمدت لأكثر من تسعين عاما، ووفرت استقرارا نسبيا لدول المنطقة؛ بينما الحدود المتوقعة في "سايكس بيكو" الجديدة، والتي سترسمها القوى المحلية والطائفية بالضرورة، ستكون هشة وغير مستقرة، وستدخل كياناتها في صراعات لا تنتهي.
الصراع الطائفي بين السنة والشيعة يبلغ مداه، ومرشح للتصاعد مع استمرار الأزمة في سورية.
ولدى البعض من المحللين شعور بأنه كلما ركزت وسائل الإعلام على دور تنظيم القاعدة في سورية، كان ذلك مفيدا لحزب الله.
ويعتقد أحد الساسة الغربيين أن حزب الله بموقفه من الأزمة السورية، يؤسس لصراع طويل بين السوريين والشيعة.
بينما يرى الجانب الإيراني أن التطرف العربي "السني" سيكون معاديا لإيران بالضرورة، ويضر بمصالحها في العالم العربي.
تركيا فقط، حسب رأي آخر، هي صاحبة المصلحة في توسيع دائرة الصراع الطائفي، لأن ذلك يوسع هامش المناورة في مواجهة إيران.
ما هو مصير الأردن ولبنان في التصور الجديد للمنطقة؟
اللبنانيون وإن كانوا على قناعة بأن تجربتهم المريرة مع الحرب الأهلية ستدفع بكل طوائفهم إلى منع تكرارها، إلا أن أحدا لا يتصور أن يخرج لبنان سليما بعد هدوء العاصفة في دمشق.
هناك بارقة أمل للبنان والأردن من وجهة نظر أحد الخبراء في المنطقة، والذي يعتقد بأن بوسع البلدين أن يتجنبا مخاطر التقسيم؛ كل ما عليهما هو فقط "أن يختبئا في الظلال، ويصبحا ملاذا للأقليات الهاربة من صراع الطوائف".
هل يمكن أن ننجو من "سايكس بيكو" الجديدة؟ الجواب محير جدا.
الغد