"زمزم" تقدم أوراق اعتمادها
بعد عامين وأكثر من الحوارات التمهيدية وجلسات العصف داخل أروقة الحركة الإسلامية وخارجها، قدمت "زمزم" نفسها للرأي العام أمس في حفل جمع طيفا واسعا من الشخصيات السياسية والمشتغلين بالعمل العام.هل نقول حزبا بثوب مبادرة؟ لك أن تخلص لهذا الاستنتاج عند مطالعة الورقة السياسية للمبادرة التي أعدها القيادي في المبادرة الدكتور نبيل الكوفحي، أو عن الاستماع للخطاب المتماسك والعميق الذي ألقاه أحد رموزها البارزين الدكتور إرحيل الغرايبة.لكن "جماعة المبادرة"، يحرصون على نفي الصفة الحزبية عنها، ولهذا السبب ربما حرصوا على منح شخصيات من مختلف الألوان الحديث في حفل الإشهار.
لا أعرف إلى أي حد كانوا موفقين في اختياراتهم، فقد سمعت من بعض الحضور انتقادات على طريقة "إخراج" الحفل قبل أن ينتهي.يمكن أن تشاهد في قاعة الحفل بالمركز الثقافي الملكي وجوها شابة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، انخرطوا في المبادرة بحماس، لكن غاب جميع قادة الحركة الإسلامية عن المناسبة، رغم توجيه الدعوات لهم على ما أكد أحد نشطاء "زمزم".
اجتهد الغرايبة في خطابه على تظهير التوجهات الجديدة في فكر "زمزم"، وتقديمها كحركة سياسية اجتماعية متطورة ومنفتحة على كل مكونات المجتمع، وأعتقد انه كان موفقا في مسعاه. مرتكزات المبادرة وفلسفتها هي بالفعل تقدمية مقارنة مع السائد من أفكار في حركات الإسلام السياسي المشرقي.
كما حملت الورقة السياسية روحا جديدة في مقاربة الشأن الوطني الأردني، وطرحت تصورات مطمئنة للجميع، في نفس الوقت الذي تمسكت فيه بثوابت الإصلاحات التي يطالب بها الجميع.ولهذه الاعتبارات، فإن أوساطا اجتماعية وسياسية تنظر لمبادرة زمزم وقبل إشهارها بكثير من التقدير، ويراهن كثيرون عليها في إحداث انعطافة جدية في العمل الوطني. وهذا بلا شك يشكل تحديا أمام القائمين عليها.
لكن"زمزم" تواجه تحديات كبيرة، قد تطيح بها إذا لم يحسن القائمون عليها التعامل معها. الآلية التي اختطها أصحاب المبادرة للعمل غير مسبوقة؛ فهي ليست حزبا تقليديا كباقي الأحزاب، ولا تحالفا أو إطارا تنسيقيا بين جماعات حزبية، بل أقرب ما تكون لتيار ولد من رحم جماعة متجذرة في الحياة السياسية الأردنية.
إشكالية الهوية هذه وتجربتها غير المسبوقة، تضعها تحت ضغط كبير، قد ينتهي بها إلى تشكيل حزب سياسي، وهذا يعني الانشقاق الفعلي عن جماعة الإخوان المسلمين، أو يدفع به للتحول إلى جماعة تعمل في المجالات الاجتماعية والتطوعية، كحال أطر أخرى موجودة.
و"زمزم" تولد في لحظة تاريخية غير مواتية، حيث الانقسام الحاد في المجتمع الأردني والعربي عموما حول مجمل التحولات الجارية في المنطقة؛ الأزمة السورية، وسيطرة الجيش على الحكم في مصر من جديد. لقد خلف هذا الانقسام آثارا بالغة السوء على الحراك السياسي الأردني، وشل قدرته على التأثير في مجرى الأحداث. فهل بمقدور"زمزم" أن تتجنب تبعاته، وتساهم في معالجتها، عبر آليات مبتكرة للعمل العام؟
في المقابل، فإن تراجع بريق مشروع الإسلام السياسي في الحكم والمعارضة يمثل فرصة ثمينة لقوى التجديد داخل الحركات الإسلامية لإعادة تقديم نفسها بخطاب مختلف، يرد على الأخطاء القاتلة بفكر وسلوك جديدين.
فهل تكون "زمزم" المبادرة الأولى في هذا الميدان؟بعد أن تجاوزت المبادرة مرحلة الولادة، صار بوسعها أن تكون طرفا في العمل الوطني العام، وشريكا أصيلا في عملية التحول الديمقراطي، فهل تكون حقا؟
الغد