زكي بني ارشيد
يأخذ كثيرون على القيادي في الحركة الإسلامية زكي بني ارشيد، تصريحاته المتشددة، وتعبيراته الحادة والمستفزة. ويصفه بعض إخوانه في الجماعة بأنه عنصر تأزيم داخل الحركة الإسلامية، وسياسي يبحث عن النجومية؛ فهو لا يتأخر في التعليق على كل شاردة وواردة. ووسائل الإعلام تشدها مثل هذه النماذج. ولا يخفى على أحد مدى الكراهية التي يكنها المسؤولون في الدولة لبني ارشيد؛ بسبب مواقفه المتطرفة ولهجته التحريضية، على ما يقولون.
بني ارشيد في نهاية المطاف قيادي في حزب معارضة، وصاحب آراء جدلية، يراها البعض متشددة، فيما يراها آخرون طبيعية من معارض. والحقيقة أنه ليس كل ما ينطق به بني ارشيد كلام متطرف وتحريضي؛ فللرجل مواقف معتدلة في مناسبات عدة يعرفها أهل الحكم. وفي المقابل، فإن خصوم بني ارشيد من المؤيدين لخط الدولة، لا يتورعون عن استخدام نفس اللغة التحريضية والتخوينية بحقه، وفي أحيان كثيرة يصل الأمر إلى حد الشتائم.
ربما يحتمل الصراع بين السياسيين مثل هذه السلوكيات، رغم أننا في الأردن لم نعتد عليها من قبل. لكن الشيء غير المسبوق وغير المحمود، هو اللجوء إلى أساليب غير أخلاقية لتصفية الخصوم، وتحطيم سمعتهم الشخصية، لدفعهم إلى تغيير مواقفهم السياسية.
لا يمكنني الخوض في الجوانب القانونية لقضية نجلي بني ارشيد، وصحة الاتهامات من عدمها، فهذا شأن قضائي لا نتدخل فيه. لكن محاولة توظيف قضية منظورة أمام قضاء مدني، لتشويه سمعة مواطن ينشط في حزب سياسي، تُخرج العلاقة التاريخية بين الدولة والمعارضة عن سياقها المعهود، وتحديدا في سنوات المملكة الأربع الأخيرة.
عشنا من قبل أشكالا مختلفة لحملات اغتيال الشخصية التي استهدفت معارضين من أمثال ليث شبيلات، وتوجان فيصل؛ زج بهما في السجون حينا، وفُبركت بحقهما فضائح شخصية. كما شهدنا استخدام البلطجة لمعاقبة معارضين، كما حصل مع الزميل ناهض حتر في تسعينيات القرن الماضي. لكن اعتقدنا أن مثل هذه الأساليب أصبحت خلف ظهورنا.
لقد تبدل بالفعل سلوك الدولة مع المعارضين في السنوات الأخيرة. غير أن ما حصل مع بني ارشيد مؤخرا يعطي إشارة مقلقة. نجلا بني ارشيد ليسا فوق القانون، ويجب محاسبتهما أمام القضاء إذا ما اقترفا أي جريمة. لكن الخبر الذي انتشر بسرعة البرق في وسائل الإعلام، تجاهل قضية الابنين، وركز الأضواء على بني ارشيد وكأنه المتهم، وبدأت ماكينة الدعاية والتحريض تبث رسائل تشهير بحق الرجل، مع أن التنفيذ القضائي لديه من المطلوبين في قضايا مشابهة الآلاف، ولم يسبق أن تم نشر أخبار الملاحقة والقبض في قضايا الشيكات وما شابهها.
بدا من تفاصيل القضية أن هناك رغبة في الانتقام من بني ارشيد، ومحاولة لوضعه في موقف محرج، يدفعه إلى تغيير مواقفه. على المستوى الشخصي، أعتقد أن بني ارشيد وعموم قيادات الحركة الإسلامية بحاجة إلى مراجعة مواقفهم، ومقاربة التطورات الجارية برؤية جديدة أكثر انفتاحا وحيوية. لكن إن كان هذا هو الأسلوب المتبع لدفعهم للمراجعة، فلا أنصحهم بالتراجع عن مواقفهم قيد أنملة.
الدولة الأردنية ليست في وضع العاجز أو الضعيف كي تلجأ لمثل هذه الأساليب. لقد نجحت في اجتياز المحطات الصعبة، بينما المعارضة الأردنية، بكل تلاوينها، هي التي تواجه الأسئلة الصعبة، وتعجز عن الإجابة عليها. ولسنا في حالة مواجهة مفتوحة تبرر اللجوء إلى وسائل ملتوية لتحطيم المعارضين. الإيقاع العام يمضي بهدوء، والحركة الإسلامية على وجه التحديد مشغولة بالملفات الإقليمية، وتتلقف أي دعوة للحوار مع الحكومة. فما مبرر التصعيد إذن؟ ومن الذي يسعى إلى التأزيم هذه المرة، زكي بني أرشيد أيضا؟!
الغد