زحام على 27 مقعدا.. والباقي "يفتح الله"

زحام على 27 مقعدا.. والباقي "يفتح الله"
الرابط المختصر

تحتدم المنافسة هذه الأيام على 27 مقعدا خصصها قانون الانتخاب للقوائم الوطنية، فيما يغيب طعم التنافس الانتخابي عن المقاعد الفردية البالغ عددها 123 مقعدا.

التوقعات تشير إلى أن يصل عدد القوائم الوطنية إلى أكثر من 35 قائمة، نسبة بسيطة منها قوائم حزبية، فيما ذهب ساسة ونواب سابقون، ورجال أعمال، وشخصيات عشائرية ونقابية، إلى تشكيل قوائم أخرى، ما رفع عدد القوائم المتنافسة بشكل لافت.

صحيح أننا في الأردن نخوض للمرة الأولى تجربة التنافس الانتخابي عبر قوائم وطنية، وصحيح أن التجربة لم نعرف "خيرها من شرها" حتى الآن، ولكن "المكتوب يُقرأ من عنوانه"، وما يظهر على السطح لغاية اللحظة يشير إلى اتساع التنافس على القوائم الوطنية، وخبو التنافس على المقاعد الفردية، ما من شأنه أن ينعكس سلبا على تركيبة مجلس النواب المقبل، ويتركه فريسة ما يعرف بـ"نواب الخدمات".

دعوني أتفاءل، فأتوقع أن تحصد كل المقاعد الـ27 المخصصة للقوائم الوطنية قوائم حزبية، أو وزراء ونواب سابقون، عركوا النيابة والوزارة والعمل العام، ولديهم تجارب سياسية مقنعة، وبرامج سياسية واضحة.

ولكن، هل هذا يكفي لكي نقول إننا سننقل مجلس النواب المقبل من مجلس خدماتي إلى سياسي؛ رقابي وتشريعي؟هذا لا يعني أن المرشحين الذين سيتنافسون على المقاعد الفردية جلهم "نواب" خدمات.

ولا يعني ذلك أيضا أنه لن يخرج من رحم الدوائر الفردية نواب سياسيون، ومشرعون، ورقابيون، فلطالما خرج من رحم تلك الدوائر نواب أثروا العمل النيابي وأضافوا له، وقدموا طاقات إيجابية وتواصلا مع الشأن العام.

بيد أن الانصراف الحاصل حاليا تجاه القوائم الوطنية، واتساع حجم التنافس عليها، يجعلنا ندق ناقوس التنبيه والتخوف من صبغ المجلس المقبل الذي نأمل أن يكون سياسيا تشريعيا ورقابيا برامجيا، بذات الصبغة الأولى، وبالتالي نبقى ندور في حلقة مفرغة.

صحيح أن يكون لمجلس النواب المقبل دور في التشاور حول اسم رئيس الوزراء المكلف، وكذلك الفريق الحكومي، باعبتار أن الحكم في الأردن نيابي ملكي وراثي، يشكل نقلة إصلاحية مطلوبة.

ولكن هذا التشاور يجب أن يسبقه تقديم برامج سياسية من قبل نواب المجلس المقبل، الفرديين والفائزين عبر القوائم؛ برامج تعبر عن ذاتهم، وتنقل هموم الوطن والمواطن.

لا نريد أن يتحول التشاور في بعض الأحيان إلى طلبات نيابية من الرئيس المكلف بفتح شارع وتعبيد آخر، وإقامة مقبرة وإنارة طريق.

ولا نريد أن يكون التشاور مدته نصف ساعة، لا يغني ولا يسمن.نعم، هذا كان يحصل في مشاورات سابقة أجراها رؤساء وزراء مكلفون مع نواب المجالس السادس عشر، والخامس عشر، وحتى الرابع عشر.

وكاتب هذه السطور شاهد على جلها إن لم يكن كلها.نريد مشاورات حقيقية، لا علاقة لها بثقة ونصف، ولا ثقة و"طبشة"، كما كان يحصل سابقا، ولا بوعود بدرجات عليا لمجموعة معينة، وتوظيف لمجموعات أخرى، ولا تنفيعات هنا أو هناك.

آمل أن ننتقل بمجلس النواب المقبل من مطرح إلى آخر أكثر تحليقا، فيكون مجلسا قادرا على استيعاب جميع الحركات الشعبية والشبابية، كما استيعاب الموالاة والمعارضة بالقدر ذاته؛ يستوعب جميع التيارات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية والمقاطعة لها، بدون تهم.

نريد مجلسا للوطن كله، ولا نريده للحكومات.

بصراحة، ما أراه في المشهد الانتخابي الحالي يجعلني أتخوف مما هو قادم، ومن تكرارا التجربة.

ولكنني آثرت ترك المخاوف جانبا، والمراهنة على أن يكون المرشحون المفترضون المقبلون قد آمنوا بالإصلاح الذي يسعى إليه جلالة الملك، وأيقنوا أننا نريد الدخول في مرحلة جديدة عنوانها الإصلاح والدولة المدنية الحديثة التي لا تقوم على الواسطة والمحسوبية والبحث عن الامتيازات.

الأمل أن يعود للتنافس طعم في المقاعد الفردية، وعدم الركون إلى أن المقاعد الـ27 المخصصة للقوائم الوطنية ستنقلنا إلى الإصلاح المنشود.

الغد