"ريكورد" مختلف
لن أتوقف عند كثرة الصلحات العشائرية التي شهدها مجلس النواب السابع عشر، وعددها خمس أو ست صلحات.
كيف يمكن لعاقل أن يقرأ ويفسر تركيبة المجلس، ونوعية النواب، تبعا لذلك؟ فهل يعقل من مجلس لم يمضِ على انعقاده ثلاثة أشهر، أن يشهدَ كل هذه الصلحات العشائرية؟!
لمن لم يعلم، توجهت جاهة من أجل "المكتة"، وأخرى لمحاولة إشهار مسدس، وثالثة للاعتداءات اللفظية، وغيرها لثني النائب عبدالهادي المجالي عن الاستقالة، وأخيرة لإقناع النائب يحيي السعود بعدم إقامة خيمة لإسقاط رئيس الحكومة.
أيضا، سأقفز بالحديث عن النواب الملثمين والمكممين، والمبشّر باللعنة والغضب الإلهي، وغيرها من القصص الطريفة.
بالمناسبة، سأغض الطرف عن كل ما ينقله النواب من حديث حول صفقات تجري من تحت الطاولة، تسهّل حصول الحكومة على ثقة النواب.
سأدخل مباشرة في موضوع الثقة بالحكومة، كونها اختبارا جديدا لماهية هذا المجلس، ومدى قدرته على القيام بالدور المطلوب منه.
التوقعات، كما يقدرها نواب، تشير إلى أن "حكومة الدكتور عبدالله النسور ستحصل على ثقة 85–90 نائبا".أما من طرف الحكومة، فالمشهد مختلف.
إذ يصف أحد الوزراء موقف النواب من منح الثقة للحكومة بـ"الهبة"، تعبيرا عن صعوبة الموقف.والتوصيف الذي لجأ إليه الوزير يعكس مواقف النواب الحادة من الحكومة، ومخاوف الحكومة.
لكن الوزير يسترسل بالقول إن المدد الزمنية الطويلة نسبيا ما قبل التصويت بالثقة، ستعطي الحكومة فرصة لتليين مواقف النواب. ويبدو أن هذا ما بتنا نشهده خلال اليومين الماضيين.
الملاحظ في هذه الفترة تكاثر الحديث عن فكرة تدخل الصديق لتسهيل مهمة الحكومة للحصول على الثقة؛ إذ يعتبر البعض هذا التدخل شرطا أساسيا لإنجاز المهمة، وبدون ذلك لن يصلح الأمر.
المستغرب أننا صرنا نرى البعض يؤكد على أهمية هذه المسألة، التي طالما كانت موضع نقد من السياسيين والمراقبين، ويبررها كسبيل وحيد خال من المطبات والمخاطر لنيل الثقة.
ما هو متداول في أوساط النواب متناقض؛ إذ يؤكد بعضهم أن نوابا بدأوا بتلقي اتصالات بهذا الخصوص، فيما يصر آخرون على أن ذلك لم يحدث، وأن "الصديق" لم يتدخل حتى اللحظة.
شخصيا، أتمنى وأميل إلى الخيار الثاني، لأن ذلك يعني حفظ ماء وجه كل من المجلس والحكومة معا. كما يعني أن البلد يشهد للمرة الأولى معركة ثقة حقيقية، تحصل عليها الحكومة بجدارة، أو تفقدها، وفي ذلك نفع أيضا.
فالفائدة المرجوة تتمثل في تقديم أنموذج ديمقراطي حقيقي لماهية معركة الثقة التي افتقدتها التجربة السياسية مع مجالس النواب السابقة التي كانت تدار بـ"الألو".
وهو ما يعترف به النائب في مجلس النواب الحالي يحيي السعود، الذي أطلق على نفسه لقب مدير دائرة الـ"ألو" في المجالس السابقة.ثم، ما المشكلة إنْ أسقط النواب الحكومة؟
فالأخيرة وإن كانت خاسرة، إلا أنها ستسجل حالة تتذكرها الأجيال المقبلة، فيما مجلس النواب هو الرابح الأكبر.كل شيء حتى الآن يطاوله التشكيك؛ فالحكومة البرلمانية ليست كذلك، ومجلس الشعب لا يمثله، والإصلاح الاقتصادي ليس إلا رفعا للأسعار!
منذ يومين فقط، سرى حديث عن إمكانية حدوث تدخل سريع لإنقاذ الحكومة، ومساعدتها في امتحان الثقة.
وإن حدث ذلك، فإن الحكومة ستنجح، لكن الفشل في الصورة العامة سيكون أكبر، ليضاف إلى سلسلة من الإحباطات.
دعوا الحكومة والنواب بحالهم ليخوضوا التجربة. ولتكن النتيجة ما تكن، لعل وعسى أن يسجل "ريكورد" مختلف عما وُثّق في الماضي.
الغد