رواد مجتمع المعرفة في الأردن!

رواد مجتمع المعرفة في الأردن!
الرابط المختصر

بالرغم من احتلاله مواقع متوسطة في مؤشرات مجتمع المعرفة التقليدية التي تطورها مؤسسات الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرها من المنظمات التنموية الدولية لا يمكن نكران أن الأردن هو من الدول الأكثر تقدما في مجال تحقيق “مجتمعات المعرفة” بل يمكن القول بأننا أصبحنا روادا ونموذجا دوليا في مجتمع المعرفة . علينا أن نوضح فقط بأننا طورنا مؤشراتنا الخاصة والإبداعية حول مجتمع المعرفة الأردني الذي هو من أهم أسباب تأخير التقدم والإصلاح في القطاعات العامة والخاصة، وهو أيضا من أهم القضايا التي ترتبط مباشرة مع المحسوبية والواسطات والفساد.

يتشكل مجتمع المعرفة في الأردن من حقيقة أن “معظم الأردنيين يعرفون بعضهم البعض شخصيا” وهذه المعرفة الشخصية والعلاقات العائلية هي التي تحكم الغالبية العظمى من القرارات التي يتم إتخاذها في معظم المؤسسات والقطاعات. وبالطبع فإن كل منا شاهد في حياته العملية، أو شارك في صناعة الكثير من نماذج “تجاوز البيروقراطية والروتين” أو حتى “تجاوز القانون والمواصفات” في تمرير معاملات ومطالبات لا تحمل الشروط المناسبة وذلك بناء على المعرفة الشخصية.

أن جملة “دبرها بمعرفتك يا عمي” هي من الجمل الخالدة في سياق العلاقات بين أفراد المجتمع الأردني، وهي القاعدة الأولى في بناء “مجتمع المعرفة” في هذا البلد. نحن نعرف أنه لو اجتمع خمسة أردنيين معا في أي موقع فإن كل أربعة منهم يعرفون بعضهم البعض، وهذه خاصية جيدة اجتماعيا حيث تشير إلى تماسك المجتمع والعائلات والعلاقات الإنسانية الجيدة ولكن عندما تصبح هذه العلاقات هي العامل الأساسي في تحديد قرارات هامة تتعلق بالعمل والتعيينات والعطاءات والمعاملات الرسمية وغيرها من الصفقات المهنية فإننا نكون أمام مشكلة حقيقية في الشفافية.

يعرف أي مواطن أردني أنه لو قرر أن يكون ملتزما بالقانون والمساواة في متابعة معاملة رسمية في اية دائرة حكومية فإنه سيصبح بمثابة فريسة ينقض عليها الغالبية العظمى من الموظفين لممارسة شعور الطغيان والتسلط والتعذيب بالقدر الأقصى الذي تسمح به القوانين. في المقابل لو قرر أن يتصل هاتفيا بأقرب صديق أو قريب له يعمل في تلك المؤسسة سواء كان مديرا عاما أو مراسلا فإن معاملته سوف تنتهي في سويعات وهو يجلس يحتسي الشاي براحة وربما يتطلب منه الأمر فقط توقيع بضعة أوراق تكون جاهزة مسبقا.

سمعنا كثيرا من الحكومة والمعارضة معا عن “ثقافة الفساد الإداري” والشللية والابتعاد عن الكفاءة ووجود فئة من “الموظفين الكبار-المستشارين-لتتلقى رواتب وهي في البيت لا تعمل. كما نتحدث كثيرا عن الفساد الإداري وكيفية مواجهته، ولكن الحقيقة أن مواجهة الدولة مع الفساد الإداري إن كانت جدية فعلا سوف تصل في نهاية الأمر إلى تلك “الشبكة الاجتماعية من علاقات المعرفة” التي تحكم توجه الناس في اتخاذ القرارات سواء كانوا من المواطنين العاديين أو الوزراء أو حتى القطاع الخاص. أن المعرفة بحد ذاتها ليست عنصرا سلبيا لأنها تساهم في تحديد قدرات وكفاءات الناس، ولكن المشكلة تكمن في أن يتم توظيف علاقات المعرفة الشخصية أكثر من علاقات المعرفة المهنية في عملية اتخاذ القرار.

ثقافة مجتمع المعرفة متأصلة في بنية الدولة الأردنية ولا فرار منها، لأن القاعدة الاجتماعية هي التي تطالب بها. أي مسؤول يجازف في اتخاذ مواقف متزنة وملتزمة بالقوانين ويرفض الواسطات والمحسوبيات سيحظى أولا بغضب اقربائه وأصدقائه تحت شعار “من ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير للناس”. ينظر إلى المسؤول الذي يمارس المحاباة بأنه مسؤول قوي ومحترم وصاحب نفوذ بين دائرته الاجتماعية أما إذا كان يساوي بين الناس بالعدالة يعتبر مسؤولا ضعيفا ولا يمون على شئ.

ربما يكون من الضروري أخلاقيا أن نطالب بتحقيق العدالة والسير في الطريق السليم قانونيا في كافة المعاملات الرسمية ولكن إذا كانت الغالبية العظمى من المسؤولين والمواطنين تمارس طريقة “دبرها بمعرفتك” كيف يمكن أن نطلب من الناس الالتزام بقانون لا يحترمه المكلفون بتطبيقه؟

الدستور