رسالة من معلم:بعيدا عن السياسة
جاءتني الرسالة التالية من أحد مديري المدارس، ممن أحيلوا على الاستيداع في القرارات الأخيرة، أضع الرسالة المؤلمة القاسية المعبّرة بين يدي المسؤولين، لعلّها تفتح أفقاً عقلانياً من النقاش.أنا مواطن أردني أفنيت زهرة شبابي وطاقتي للعمل في هذا الوطن موظفا في وزارة التربية والتعليم أدرّس الطلبة وأوجههم وأنميهم بأمانة وإخلاص يشهد بهما رؤسائي في العمل وتشهد بهما تقاريري وجدارتي والتزامي، ثم مديرا لمدرسة، ما قصرت يوما في واجبي ولا أخللت لحظة بنظام الخدمة المدنية، ولم تسجل علي ملاحظة واحدة، ثم يأتي يوم بعد واحد وعشرين عاما من العمل والكد، أفاجأ فيه بمكافأتي بإحالتي على الاستيداع ومن دون مبرر لا ظاهر ولا مستتر".أنا في الدرجة الأولى من الوظيفة لم أتمكن حتى الآن من اقتناء بيت أستقر به، وإنني أعيل اثني عشر ابنا، ولي ثلاثة أبناء يدرسون في جامعاتنا الحكومية على نفقتي الخاصة، وكل ذلك في ظل ظروف اقتصادية صعبة جدا، طبعا كل هذا وأنا متيقن بأن الله هو الرزاق وليس الذي يرزق فلان أو علان أو هذه الوزارة أو تلك، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها".ولكن السؤال هو أين هو الأمان الوظيفي والاجتماعي في وطن ينادى فيه وعلى أعلى المستويات بتوفير الأمان للمواطن حتى يكون لبنة صالحة منتجة. وأين هي حقوق المواطن بل كيف سينظر أبنائي وبناتي للأمر عندما يضطرون لترك دراستهم وجامعاتهم حتى يتمكنوا من الحصول على لقمة العيش".
حراك المعلّمين لا يجوز أن يتم التعامل معه باعتباره موضوعاً سياسياً، بل يتجاوز ذلك بكثير، ويعكس أوضاع شريحة عريضة من المجتمع، ومن موظفي القطاع العام، ممن ضاقت بهم الظروف الاقتصادية، ولم يكن لهم مطلب حقيقي، بعد سنوات طويلة من الصمت، إلا الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم.
نحن أمام تحولات تفرضها متغيرات بنيوية في المعادلة الاقتصادية- السياسية تتطلب قدرا كبيرا من الحكمة والعقلانية من الدولة والهدوء، والابتعاد عن أيّ تسييس مجّاني له، وهو ما تشي به الرسالة السابقة، وتؤكّده التعليقات التي نقرؤها على موقع "الغد" الالكتروني، لبعض من شملهم قرار الاستيداع.
الحراك في المشهد السياسي، خلال الفترة الأخيرة، يخرج تماما من نسق اللعبة التقليدية، ولا يجوز أن يقرأ في سياق المماحكة السياسية أو التوظيف لها من هنا وهناك، وهو ما أكّده مسؤول رفيع بقوله "نحن اليوم في مواجهة نمط جديد يبتعد بتكوينه وطبيعته عن المعارضة التقليدية وخطابها، ويجد نفسه في الاحتجاج والاعتصام".
الفكرة الأساسية هنا أنّ هنالك طبقة عريضة من المجتمع عاجزة عن التكيف مع هذه التحولات البنيوية، وهو ما أثبتته قطعيا دراسة الفقر الأخيرة، ما يعني ضرورة الخروج من القراءة التقليدية إلى قراءة أوسع وأعمق لما يحدث لدينا.. هنا