رسالة إلى 370 ألف شاب وشابة
أما وقد دخل 370 ألف شاب وشابة فضاء الثامنة عشرة، وصار بمقدورهم أن ينضموا إلى أفواج الذين يحق لها اختيار ممثلي البرلمان المقبل، فإنني أتوجه إلى هؤلاء برسالة أحسب أن غالبيتهم سيصغون إليها، وأرنو إلى أن يكون ظني في مكانه، فيتأمل هؤلاء معانيَ أن تمارس حقك في اختيار النائب الذي تعتقد أنه مؤهل لحمل هواجسك والارتقاء بتطلعاتك.
ولقد اخترت هؤلاء الشبيبة عمن سواهم من المقترعين، لأنهم ما يزالون أنقياء عن التلوث في وحل التجربة البرلمانية التي كانت غالبية دوراتها الأخيرة مدعاة للأسف والتندر، على ما اعتور العملية الانتخابية من مزالق وصلت حد التزييف الذي يقلب الأبيض أسودَ، فكانت الانتخابات الأخيرة علامة سوداء في تاريخنا أفرزت مجلسا بائسا أراحنا جلالة الملك من شروره حينما حله وقرر إجراء انتخابات حرة ونزيهة توصل إلى قبة مجلس النواب الأفضل والأكفأ والأكثر تعبيرا عن إرادة الناس ومصالحهم.
فمن سيكون هذا النائب إخوانيَ الشباب؟
فإن كنتم ترغبون أن ترسموا مستقبلا لطالما رصعتم ملامحه المنشودة بالنور، فعليكم أن تختاروا الذي يزيد ذلك النور ضياءً، وإن كنتم تهجسون بدفع عجلة الإصلاح في بلدكم إلى الأمام، والارتقاء بوطنكم إلى أعالي الذرى التي غنيتم لها، فعليكم ألا تعتبروا صوتكم رقما سهلا يمكن أن يباع أو يشترى، أو يمكن أن نبدده في اعتبارات عائلية تزيد منسوب الولاء للأهل على حساب الوطن والدولة!
وعليكم، إن شئتم الإصغاء إلى نصحي، أن تملأوا قلوبكم بالإيمان بأنكم قوة التغيير الأساسية في المجتمع، وأنكم وقود التحول، وأن ملامح التقدم تصنعها عقولكم وإرادتكم الحرة، فلا تستهينوا بقوتكم، ولا تستجيبوا إلى أي نداء لا يخدم مسيرة التنوير الحضاري التي تحركت في العالم بدفع من الشباب الذين زيّنوا تاريخ بلدانهم بالربيع.
فهل تذكرون الثورة الثقافية في فرنسا التي قاد فيالقها الطلبة، وهل تذكرون ربيع براغ الذي كان الشباب طليعته ورواده، وهل تذكرون حركة الشباب في وارسو، وحركتهم في بكين، وتحركاتهم في القاهرة وبيروت، وسواها من عواصم العالم. لقد نادوا بإعلاء قيم الحرية، والتعددية، والتسامح، والسيادة، وكان لهم ما أرادوا ولو بعد عقود من سحق أحلامهم وإخماد جذوة نارهم.
المناخ في بلادنا، ونحن على أبواب الدخول في غمرة الانتخابات المقبلة، مهيأ لبعث الأمل بربيع الأردن بعد خريف الإحباط والتردد والتشكك الذي ران على قلوبنا في التجربة الانتخابية السابقة سيئة الصيت.
فهل نصغي جيدا وبإمعان إلى نداءات التغيير الحقيقي الذي ينقل بلادنا إلى ما يستحقه أبناؤها النبلاء؟ وهل نمارس كشباب دورنا المأمول والمرتجى في عدم رهن إرادتنا الانتخابية لأي اعتبار يخدش القيم الوطنية السامية؟
370 ألف ناخب جديد سيغيرون وجه الحياة السياسية إن هم أدركوا مكمن قوتهم، وإن هم أيقنوا أن زمانهم قد بدأ، وأن أنفاسهم الحارة قد دخلت حلبة التغيير، وخاضوا رهان الإصلاح حتى نهايته.
370 ألف ناخب جديد يمارسون الاقتراع للمرة الأولى، وبمقدورهم أن يجعلوها المرة الأجمل في تاريخهم الشخصي، وفي تاريخ بلدنا الذي اشتاق للزهو، ولمعانقة الشموس.
الغد