رسالة إلى رئيسة بعثة "النقد الدولي"
ليلة الاثنين الماضي، وصلت إلى المملكة بعثة صندوق النقد الدولي، برئاسة كريستينا كوستيال، لإتمام المراجعة الدورية لأداء الاقتصاد الوطني خلال الفترة الممتدة بين حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر) 2013.
الزيارة دورية، تتم كل ثلاثة أشهر تقريبا. والغاية، هي التأكد من مدى التزام الأردن ببرنامج التصحيح الاقتصادي الموقع مع "الصندوق" للفترة 2013-2016وتقييم النتائج التي حققتها السياسة المالية، ومدى التزامها بما هو مخطط لها.
لقاءات كوستيال بدأت بوزارة المالية أول من أمس. وهو الاجتماع الأهم في الزيارة، خصوصا أن غالبية المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد مالية؛ لاسيما عجز الموازنة العامة، والمديونية، وسياسات الدعم المقدم للسلع والخدمات. ويتوقع أن تزور البنك المركزي اليوم.
وزير المالية، وخلال مشاركته الأخيرة في الاجتماعات السنوية للصندوق، قدّم للأخير أرقاما تشرح وتحدد ما تحقق من منجزات خلال الربع الثالث من العام الحالي. وكوستيال بدورها ستجري مقارنة لتحديد مدى التطابق بين ما قُدم وبين واقع الأرقام، تتمكن على أساسها من وضع تقرير يقيّم الأداء في تلك الفترة، التي حصل فيها الأردن على الدفعة الثالثة من قرض الصندوق وقيمتها 260 مليون دولار، حصل عليها كما يقول خبراء لاعتبارات سياسية بعيدا عن الأداء المالي.
الملفات بين وزارة المالية و"الصندوق" متعددة، منها التشريعات الإصلاحية المطلوبة، وعلى رأسها قانون الضريبة الجديد، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يساعد كثيرا في تنفيذ المشاريع الكبرى. بالضرورة، ستجتمع كوستيال بالعديد من المسؤولين الأردنيين، لتلقي على مسامعهم ما هو مطلوب للمرحلة المقبلة. ولا أدري ما إذا كان على جدول أعمالها الاجتماع بشخصيات مستقلة، ومؤسسات مجتمع مدني، تُعنى بالإصلاح الاقتصادي، ولديها ملاحظات على برنامج التصحيح المبرم مع "الصندوق"، خصوصا ما يتعلق بأبعاد البرنامج الاجتماعية والسياسية.
شخصيا، أكتب هذه الرسالة للسيدة كوستيال سعياً إلى نقل وجهة نظر أردنيين بالمؤسسة الدولية التي تمثلها، وماهية تقييمهم لها.
في البداية، يدرك الأردنيون أن "الصندوق" لا يأتي إلى بلد إلا إذا عمّه الخراب، أو قبل ذلك بقليل. ويعلمون جيدا أن "الصندوق" لا يتدخل إلا إذا تعقدت الحالة المالية والاقتصادية لدرجات خطيرة، ولم تعد حكوماتنا قادرة على حل المشاكل وحدها.
للأردنيين خبرة طويلة مع "الصندوق" وسياساته؛ فهم خضعوا لها ولمسوا تبعاتها منذ العام 1989 وحتى العام 2004 الذي "تخرّج" فيه الاقتصاد الوطني من المؤسسة الدولية. لكنه سرعان ما عاد إلى "الإشراف الدولي" في العام الماضي، نتيجة سوء إدارة الموارد المالية العامة التي بدأت أعراضها في العام 2005؛ أي بعد عام واحد من ترك "الصندوق". ثم استوت هذه الأزمة بشكلها النهائي في العام 2012، مع انقطاع الغاز المصري الذي كشف كل عيوب السياسات الرسمية.
الشعور الشعبي تجاه "الصندوق" سلبي، ورافض في أحيان كثيرة. فالانطباع السائد هو أن السياسات التي تفرضها هذه المؤسسة الدولية ومتطلبات برامجها، إنما تركز دائما على تحسين الأرقام، فيما حياة المواطنين في تراجع مستمر. فالأردنيون عموماً يدركون جيدا أن البعد الاجتماعي والسلم المجتمعي عنصران لا يؤخذان بعين الاعتبار في وصفات "الصندوق".
الفقر والبطالة وإضعاف الطبقة الوسطى، مشاكل يعتقد المجتمع أن للصندوق وقراراته الصعبة التي يطالب بها، اليد الطولى في تكريسها. مثال ذلك الطلب إلى الحكومة إقرار قانون ضريبة يخفّض الإعفاءات الضريبية الممنوحة للأسر والأفراد، وبما يوسع الشرائح الخاضعة لضريبة الدخل إلى ما نسبته 20 - 30 % من الأردنيين، وذلك مع عدم الأخذ بجميع أنواع وأشكال الضرائب الأخرى التي يدفعها الأردني. إذ يقترب العبء الضريبي على المواطن من نسبة 30 % من دخله، بحسب دراسة لوزارة المالية، وبما يفوق كل المعايير العالمية في هذا الصدد.
بالمحصلة، يؤمن الأردني أن مستواه المعيشي يتراجع بشكل مطّرد بسبب "الصندوق". لكنه يؤمن أيضا أن المشكلة الحقيقية ليست في المؤسسة الدولية وسياساتها، بل في الحكومات التي راكمت الأخطاء، حتى أوصلتنا إلى ما نحن فيه؛ معيدة البلد "برضاه!" إلى أحضان "الصندوق"
الغد