رسائل مزعجة ومعادلة مقلوبة

رسائل مزعجة ومعادلة مقلوبة
الرابط المختصر

ينزع تدخل وزير التعليم العالي، الذي جاء على ما يبدو بمبادرة أخلاقية مسؤولة منه، مؤقّتا فتيل أزمة الكلية العربية، فقد طلب من وزير المالية ألا يسمح بإتمام صفقة بيع الكلية، بالإيعاز بذلك إلى دائرة الأراضي والمساحة، إلى حين تخرّج الطلبة الحاليين كافة (1650 طالبا)، أو إيجاد حلّ نهائي لهم.

 د. محمد أبو حمور استجاب، فورا رغم وجوده في تركيا، لطلب المعاني، وأوعز لدائرة المساحة بوقف أي صفقات خاصة بالكلية، حتى تأتيهم رسالة من وزير التعليم العالي.

 ذلك سيؤدي إلى ترحيل الأزمة وتخفيفها، وليس إلى إنهائها، إذ يتبقى لدينا (150) أكاديميا وإداريا سيجدون أنفسهم في الشارع، وفي غائلة البطالة، من دون مقدّمات ولا إنذارات.

 الإشارات المزعجة، غير المطمئنة على الإطلاق، تأتي من الصمت والسلبية الحكومية التي غلفت الأزمة منذ بدايتها، إلى أن وصلت إلى تظاهر الطلبة والعاملين واعتصامهم في الشارع، قبل تدخّل وزير التعليم العالي الأخير.

 التدخل الرسمي الوحيد كان عبر الأمن، كالعادة، الذي أحيلت إليه مهمة منع المعتصمين من الوصول إلى مبنى رئاسة الوزراء، في حين توارى الوزير توفيق كريشان عن الأنظار، بعد أن كان أطلق وعوداً للطلبة والعاملين في الكلية بعدم تمرير الصفقة. أمّا رئيس جامعة البلقاء التطبيقية، صاحب الولاية على الكليات الخاصة، فتعاطى مع الأمر، وكأنه مربوط اليدين لا حول له ولا قوة!

 الرسائل والدلالات أبعد من حصرها في ملف هذه الكليّة (حصريّا)، وتتعلق بمدى إدراك الحكومة لمسؤوليتها وقدرتها على صوغ التشريعات المتعلقة بحقوق العمال والموظفين والمواطنين وتوفير الحماية لهم في مواجهة الاعتداء عليهم من رأس المال.

 ما الذي يمنع أن تطلق هذه الصفقة العنان لموجة لاحقة من بيع الكليات أو المدارس لتحقيق ربح أكبر من دون العبء بمصير العاملين والطلاب، ومن دون وجود جهة رقابية مسؤولة، لديها سلطات قوية وفاعلة، تلوّح بالقوانين في مواجهة ذلك، أو أن يتم الاتفاق معها ابتداءً على مثل هذه الخطوات.

 الحكومة تسن التشريعات وتقدم الإعفاءات والخصومات والتسهيلات الهائلة للاستثمار، حتى في مجال الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة، بذريعة توفير فرص العمل والحد من البطالة، ويجري الحديث عن توفير آلاف فرص العمل.

 العجيب أنّ ما نراه، على النقيض من ذلك، صمت حكومي مطبق أمام تسريح مئات العمال والموظفين في مؤسسات مالية وإعلامية وخدماتية، وربما تلحقها تعليمية، بلا أي رقيب أو حسيب!

 قبل تدخّل وزير التعليم العالي، فإنّ الجهة الوحيدة التي وقفت مع الطلبة ودعمتهم، "حركة ذبحتونا" (وهي جهة غير رسمية)، ولا تحظى حتى باعتراف رسمي، على الرغم من الدور المعتبر (الذي تقوم به)، وقد جعلت من ملف الكلية قضية رأي عام، فيما لا نسمع حسّاً أو أي صوت لوزارة العمل والمؤسسات الرسمية المعنية بتطبيق القوانين واقتراح التشريعات التي تحمي المواطنين، أو مؤسسات المجتمع المدني التي اغتنى أصحابها من التمويل الخارجي، أليست معادلة مقلوبة ومختلة!