رحلة البحث عن «مشـروع قانون»
قبل أيام، طلبت إلى زميلتين تعملان في “مرصد الإعلام الأردني” تزويدي بنسخة “رسمية” من التعديلات الحكومية المُقترحة على قانون “حق الحصول على المعلومات”؛ التي وإن كنا قرأنا عنها في الصحف ووسائل الإعلام، إلا أن ذلك لم يُشبع حاجتنا للاطلاع على “النص الأصلي” لهذه التعديلات.
بدأت الحكاية في السابع عشر من أيلول الجاري: بحثٌ على المواقع الإلكترونية للحكومة وديوان التشريع والجهات ذات الصلة..ولكن دون جدوى.
في الثامن عشر منه، أجرت إحدى الزميلتين اتصالاً هاتفياً بديوان التشريع التابع لرئاسة الوزراء بحثاً عن نسخة عن “القانون المُعدل”...جاء الرد من إحدى العاملات في الديون بأن المشروع رُفع إلى رئاسة الحكومة ولم يعد موجوداً في “الديوان”.
في اليوم التالي، أجرت الزميلة اتصالاً مع وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي، بحثاً عن المطلوب...جاء الجواب بطلب العودة إلى ديوان التشريع لأن “التعديلات ليست بحوزته”، وعندما أبلغته الزميلة بأننا فعلنا ذلك قبل الاتصال به، اقترح مشكوراً الاتصال بوزير الثقافة كونه رئيس مجلس المعلومات وبالنظر إلى أن وزارة الثقافة هي الجهة صاحبة الاختصاص.
في العشرين من الشهر ذاته” هاتفت إحدى الزميلتين وزارة الثقافة بحثاً عن “التشريع”، فأخبرها موظف رفيع في الأمانه العامة، بأنه ليس في حوزتهم وأنه استقر في “المكتبة الوطنية”، فما كان منها إلا أن رفعت سماعة الهاتف للتحدث مع القائمين على “المكتبة” عن الأمر...فبادرت إحدى العاملات هناك بالقول: بأن ما نبحث عنه، لم يحول بعد من رئاسة الحكومة إلى وزارة الثقافة ليُصار إلى إيداعه في المكتبة الوطنية،أي باختصار فإن “المشروع لم يصل بعد”.
بعد ربع ساعة من الاتصال، بادرت الأمانة العامة للوزراة بالاتصال مؤكدة وجود المشروع في “المكتبة الوطنية”...ولأن الخميس نهاية أسبوع، والدوام في العادة “نص نهار” فقد تم إرجاء رحلة البحث عن “القانون المعدل” إلى مطلع الأسبوع المقبل، على أمل أن نعثر عليه بعد طول عناء.
نورد هذه القصة للتأشير على مفارقتين: الأولى، وتتمثل في أن “المعلومة الضائعة”الجاري البحث عنها، تتعلق أساساً بالتشريع الناظم لحق الحصول على المعلومات...والثانية أن الأمر يحدث على مبعدة أسبوع واحد فقط من “اليوم العالمي” للحق في الحصول على المعلومات...والأطراف المنخرطة في “رحلة البحث عن المعلومات” هي ذاتها الأطراف المنوط بها أمر تيسير مهمة البحث عن “المعلومة” وضمان تدفقها السلس والسريع لمن شاء الحصول عليها.
أما المفارقة الثالثة التي أرى الإشارة إليها استدراكاً، فتتجلى في كون “التعديلات” التي نبحث عن نصوصها الرسمية، إيجابية في الغالب، فهي من جهة أولى، توسع عضوية “مجلس المعلومات”بإضافة نقيبي المحامين والصحفيين إلى عضويته...وهي من جهة ثانية تسهم في زيادة قاعدة المستفيدين منها (المُقيمين)...وهي من جهة ثالثة تختزل الآماد الزمنية للحصول على المعلومة (من شهر إلى نصف الشهر).
صحيح أنها ليست تعديلات جوهرية، ولا تطال جوهر القانون أو العملية الإجرائية برمتها، بيد أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، تُسَجل للحكومة لا عليها...ومع ذلك نجد صعوبة في البحث عن التشريع والحصول عليها...لكأنه “خرج من أدراج ديوان التشريع ولم يعد”.
إذا كان الحصول على معلومة تخدم في نهاية المطاف موقف الحكومة وصورتها، يتسبب لطالبيها بمثل هذا “النكد”...فكيف هو حال الباحث عنها إن كانت المعلومة التي يطاردها، من النوع الذي يثير نكد الحكومات وينغص عليها محاولاتها الرامية لتجميل سياساتها وإجراءاتها وقراراتها...سؤال، لم نجد جواباً عنه سوى في استمرار تدني “ثقافة الشفافية والإفصاح” في أوساط “بيروقراطية الدولة”...وهي مشكلة لا تتفشى هنا فحسب على كل حال، بل نراها متفشية في أوساط المجتمع والرأي العام، بل وفي أوساط “العاملين في حقل المعلومة” من صحفيين وإعلاميين، حيث أظهرت تجربة السنوات الخمس التي انقضت على إقرار القانون الأصلي، تدني مستوى الطلب على المعلومة لديهم وعند غيرهم..وللبحث صلة.
الدستور