الذين انسحبوا من “الترشح” للانتخابات ليسوا دعاة “المقاطعة” فقط، سواءً أكانوا من “الاخوان” أم بعض احزاب اليسار أم الحراكات الشعبية، وانما غاب أيضاً رؤساء الوزارات السابقون ومعهم شخصيات وطنية تبوأت مراكز مهمة في الدولة.
هؤلاء الذين اختاروا أن يجلسوا في نظّارة “المتفرجين”، بعضهم أعلن على الملأ انه لا علاقة له بأي قائمة أو مرشح محدد، وبعضهم قرأ المشهد ووجد أن نصيبه من المشاركة سيكون متواضعاً ولذلك آثر عدم الترشح، وآخرون كان لهم موقف من قانون الانتخاب، ولأنهم لا يستطيعون المجاهرة بالمقاطعة اكتفوا “بالانتخاب” وتركوا الترشح لغيرهم..
حين تدقق في المشهد الانتخابي قبل نحو ثلاثة أسابيع على موعد الاقتراع تكتشف بأن ثمة اربعة مراكب: الأول يقوده المترشحون، ومن بين نحو (1500) اسم منهم اكثر من (800) على القوائم لا تكاد تعرف الا العشرات، والمركب الثاني “يقوده” المشاركون المنحازون للاقتراع، وهؤلاء يعرفون تماماً لمن يدلون بأصواتهم، والمركب الثابت يمتطيه “المقاطعون” وعناوينهم بالطبع معروفة، أما المركب الرابع فيضم الكثيرين من “المتفرجين” الذين عزفوا عن المشاركة لأسباب مختلفة.
من المفارقات أن اكثر من (15) رئيس وزراء سابقين، وعشرات الوزراء السابقين، لم يجدوا “فرصتهم” في تشكيل قوائم انتخابية رغم أن المرحلة الانتقالية تستوجب حضورهم ومشاركتهم، ورغم أن الطريق لعودتهم الى “الرابع” أصبح ميسوراً اذا ما تمكنوا من الفوز بما يلزم من مقاعد، ورغم أن “ترشحهم” سيبعث برسالة قوية للشارع وسيصب في مصلحة الدولة التي “اكرمتهم” حين بوأتهم أعلى مناصبها.
حين سألت أحد رؤساء الوزارات عن الأسباب التي دفعته الى “الامتناع” عن تشكيل قائمة قال لي: كنت أتمنى لو كانت المقاعد المخصصة للقوائم نصف مقاعد مجلس النواب، وعندها لن أتردد في خوض الانتخابات، أما في ظل القانون الحالي فلن أحصل على اكثر من خمسة مقاعد.. اذا كان كلام الرجل دقيقاً، وأعتقد أنه كذلك، فما الذي يمنع من وجود ثلاث قوائم مثلاً يترأسها “رؤساء” سابقون، وتضم شخصيات معتبرة، وما الذي يمنع من افراز تحالفات اخرى مع مقاعد فردية تفرز في النهاية كتلة برلمانية تحظى بأغلبية المقاعد وتفضي الى تشكيل حكومة ذات وزن سياسي معتبر.
الاجابة بالطبع معروفة وهي أن ثمة مخاوفَ لدى بعض هؤلاء بأن نصيبهم في “الشارع” متواضعٌ جداً، وبأن تجاربهم في المسؤولية أبعدتهم عن الناس، وبالتالي فانهم آثروا الانسحاب انتظاراً لمواقع اخرى قد يحصلون عليها بالمجان.
باختصار، في المفاصل الحقيقية التي تمر بها الدولة نبحث عن بعض الوجوه التي نفترض أن “تحمل” المرحلة، أو أن تشارك في “مغارمها” فلا نجدهم؛ بعضهم يعتقد أنه غير مطلوب فيؤثر الانسحاب أو الانطواء، وبعضهم يشعر “بالزهد” في التجربة ولا يريد أن يكررها، وبعضهم “يحسبها” بدقة فترجح لديه كفة الجلوس في مقاعد المتفرجين..
لكن يبقى أن نقول بأنه مهما كانت المبررات فان من حق الدولة على هؤلاء أن يقفوا معها وأن يردوا لها التحية بأحسن منها لأنهم مدينون لها بكل ما وصلوا اليه.. أليس كذلك؟
الدستور