دعونا، الآن، نتفق

دعونا، الآن، نتفق
الرابط المختصر

ثمة فرصة تاريخية سانحة وحقيقية لتحقيق نقلة نوعية في المعادلة السياسية نحو نموذج ديمقراطي وسيادة القانون ودولة المواطنة والحريات العامة وحقوق الإنسان. وهي فرصة ناجمة عن حراك سياسي داخلي متواصل، ورياح تغيير إقليمية تهب على دول المنطقة، وتحوّل في دور الولايات المتحدة لمنح الأولوية القصوى في سياستها الخارجية لإصلاحات جذرية في دول المنطقة الصديقة لها.

لأول مرة تجتمع هذه الشروط معاً، وتنقلب موازين القوى الداخلية، فيما تبدو "الممانعة الرسمية" في أضعف حالاتها، ولا تكاد تسمع صوتاً واحداً داخل النظام "يجرؤ" على التحذير من مخاطر الإصلاح أو التخويف من نتائجه، بل تُسابق الدولةُ القوى السياسية لتعلن عن قراراتٍ وتوجهاتٍ في هذا المسار.

الكُرة اليوم في ملعب الشارع، هذا صحيح، ويمكننا تحقيق نتائج تاريخية كانت دوماً أشبه بالأماني والأمنيات، وإذا بنا اليوم قاب قوسين أو أدنى منها، لكن ذلك يتطلب وعياً سياسياً بمستوى هذه اللحظة.

التحدي الحقيقي، حالياً، هو في اتفاق القوى السياسية التي تتحرك في الشارع، وتتحدث باسمه، بعناوينها القديمة والجديدة، على "وصفة توافقية" للإصلاح، بما يحقق مصالح المجتمع والمواطنين عموماً، ويتناسب مع بناء نموذج ديمقراطي وطني يكون محلا لرضا الجميع، وبمثابة "عقد اجتماعي" جديد للمستقبل.

ثمة إطار عام لا تختلف عليه الشعارات والخطابات المطروحة وهو الحفاظ على "الصيغة الملكية" لنظام الحكم، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. لكن بعد ذلك فإنّ الأجندات والعناوين والأولويات التي نقرأها ونسمع بها تختلف كثيراً، ما يجعل البوصلة "تائهة" بين اتجاهات متضاربة ومختلفة.

هنالك قوى تتحدث عن مطالب محددة من الإصلاح السياسي، وقوى أخرى تتحدث عن أولوية إلغاء معاهدة وادي عربة، وأخرى عن إطلاق أحمد الدقامسة، وثالثة عن تعديلات دستورية، ورابعة عن أولوية الإصلاحات الاقتصادية والعودة إلى الدور الاجتماعي للدولة، وهكذا فإنّ هنالك تشتتاً في مواقف هذه القوى وأولوياتها.

المسألة، بدقة أكبر، لا تقف عند حدود الاختلاف، بل تصل إلى التضارب والصدام بين الرؤى والأجندات، ما "يُفتِّت" الحراك الشعبي ولا يخدم بناء جبهة وطنية موحدة تمثّل الطيف الواسع من الشارع الأردني، وليس فئة من دون أخرى، أو ضد أخرى.

ستضيع اللحظة التاريخية، وسنعود إلى "المربع الأول"، وستُرفع الفزّاعات نفسها من جديد إن لم تسارع الشخصيات الوطنية والقوى السياسية الإصلاحية إلى بناء توافق وطني عام على أولويات الإصلاح السياسي والمطالب الشعبية ضمن خطة عمل للمرحلة المقبلة، تقدّم للدولة في محاولة لترسيم المسار المقبل، ومن ثم تُترك الاختلافات إلى مرحلة لاحقة، ضمن لعبة موازين الانتخاب والتعددية السياسية وتداول السلطة بين الأحزاب البرلمانية.

نحتاج في هذه اللحظة الراهنة إلى تغليب صوت العقلانية والواقعية والمصالح الوطنية العليا على الأجندات السياسية والشخصية، وإلى محاولة استنطاق مصالح جميع الفئات والشرائح وإدراك المخاوف والهواجس المتبادلة، وفي المقابل "الأرضية المشتركة" التي يمكن أن يقف عليها الجميع، والتعامل مع "ملفات الخلاف" بروح تصالحية وطنية، وليس بمنطق إقصائي أو عدائي تجاه الأطراف المختلفة.

المفتاح الذهبي الذي يحكم تصوّرنا للمرحلة المقبلة هو مستقبل الأردن: كيف يمكن أن نولّد الجبهة الوطنية التي تتحدث باسم الشريحة الواسعة وتمثل قوى مختلفة ومتعددة في ألوانها السياسية، لكنها متفقة على طبيعة النظام الجديد وصيغته، وعلى أجندة التغيير وبوصلته، قبل فوات الأوان؟

الغد

أضف تعليقك