درس الجهاز التناسلي

درس الجهاز التناسلي
الرابط المختصر

 

 

لن ينسى طلبة الصف التاسع حين توقف مدرس العلوم، فجأءة، عن الحديث ونظَر صوْب النافذة بملامح وجهه غير الواضحة، وبلّغنا أنه سيخصص الحصة المقبلة، وهي الأخيرة المتبقية من الفصل الدراسي، لشرح وحدة "الجهاز التناسلي"، آخر وحدات كِتاب الأحياء.

 

كنّا نعلم جيداً ممن سبقونا، وممن رسبوا وبقوا معنا، أن جميع مدرسي العلوم في المدرسة، وغيرها من المدارس، توافقوا على هذا العرْف، وأن معظهم لا يُدرج دروس الجهاز التناسلي ضمن امتحان نهاية العام الذي لا يحتوي أي سؤال حولها، وكانت أفضلية معلمنا أنه يتيح الفرصة خلال هذه الحصة اليتيمة لطرح الاستفسارات خارج المنهاج.

 

تأهب أكثر من ثلاثين طالباً في وقت لا يتجاوز 45 دقيقة، وانتظروا بملل ظاهر أن ينهي "أستاذهم" تلك الديباجة المنقولة حرفياً من الكتاب بتعريفات كلٍ من الجهازين التناسليين الذكري والأنثوي وذِكْر وظائفهما، لتنهمر أسئلتهم التي تعبّر عن كبتهم وتغلغل معرفة شعبية وخرافات إلى كل ما يعرفونه عن الجنس.

 

في المقابل، لم يقدّم المدرس إجابة علمية واحدة بصورة متماسكة وشافية، وعاد لينهل من المرويات المتواترة التي لا يحفظ غيرها مثل طلبته، ليتبين أن معلوماته وتوجيهاته تخلط بين إصراره على كل ما يخص ادعاءات الفحولة، التي خاف لو فككها أن تؤثر على صورته أمام طلبته، وبين محاولاته الفاشلة في إعادة أحاديث الجنس إلى "الصندوق المعتم" بالتأكيد على ضرورة الالتزام بالعفة والأخلاق.

 

لم يتمكن مدرّس العلوم أن يوّضح كثير من المغالطات، ومنها تعليق أهمية قصوى على عدد المرات التي يستطيع الذكر أن يمارس الجنس، أو طول القضيب، وتحديد مصدر اللذة عند الأنثى، والدخول بنقاش عائم حول مقدار الشهوة عند الرجل والمرأة، وعقد مفاضلات بينهما تستلهم مأثورات توراتية يؤمن بها ملايين البشر، وتتعلق في غالبيتها بنظرة دونية تجاه الأنثى وجسدها وسلوكها الجنسي.

 

لم يكن الوضع أفضل حالاً عندما تقدّمت أسئلة الأحلام الجنسية والعادة السرية، فقد ضحِك المعلم مرات عديدة، وبدا عليه رغبته في الإنصات إلى تجارب طلبته الجنسية، بنوع من التلصص عليها، وممارسة دور العارف –رغم جهله الفاضح-، وانسحب الأمر على مبارزات البعض أمامه بعدد ممارستهم للعادة السرية يومياً، وتمنّى عليهم تخفيفها خشية الإصابة بضعف البصر و"زوغانه"، كما هو متواتر شعبياً.

 

وعينا حصة الجهاز التناسلي، لاحقاً، بتأكيد النظام التعليمي والاجتماعي على حقيقة ثابتة تقول بفصل الجنس عن حياتنا، رغم أننا قضيناها بضحكات مجلجلة وتهامس متصل وسعي حثيث للانزياح بالكشف عن كل المخبوء لدى ثلة مراهقين أطلقوا قضايا وتساؤلات تحتاج عشرات الساعات لتفسيرها، ولم بغادرنا الفرح لدى البوح بأول قبلة تذوقها أحدنا، وأول مشاهدة لصورة أو فيلم جنسي، والأهم منذ لك كلّه أن تلك الحصة لم تسقط من ذاكرتنا إلى اليوم.

 

يبدو أن مدرسنا قد ارتاح من مهمته "العسيرة"، وربما معه كثيرون، إذ غلب عليهم التديّن بعد سنوات عدّة، وتحولت هذه الحصة الشهيرة إلى درس إضافي في التربية الدينية، يكتفون خلالها بترديد بعض العظات التي لا تضيف شيئاً، إنما تفاقم عجزنا وإرباكنا في نقاش مسألة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها!

 

منذ 23 عاماً، قام معلم مرتبك وجاهل بشرح ألف باء الثقافة الجنسية، وفشِل فشلاً ذريعاً، رغم أن كل طلّاب المدرسة ومعلميها كانوا يذكرون مفردات جنسية مشبعة بالدلالات المباشرة والتأويلات غير المباشرة في شتائمهم والنكات، وعند إدعائهم الفحولة التي تعني فقط قدرة مهولة على ممارسة الجنس، إلّا أنهم يصرون في الوقت نفسه على عزله عن رغبتنا في الحياة والتعبير عن أحساسيسنا وتعميقها.

 

عزْل قسري يؤدي حتماً إلى إخفاقنا في حياتنا الجنسية وتطويرها، وعدم قدرتنا في التعامل مع مشكلاتها، وتخصيص منهاج دراسي يعالجها وسيكون له دوره في تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة، ومواجهة جملة قضايا مثل التحرش وكيفية التعامل مع أجسادنا وبناء العلاقة الجنسية، وتجنب أمراضها المحتملة.. الخ، وبالطبع "أنسنة" مشاعرنا ورغباتنا وإخراجها من متلازمة التملك والتسلط والجهل.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.