خمس ملاحظات حول ويكيليكس الأردن
قراءة أكثر من 4 آلاف برقية صادرة عن السفارة الأميركية في عمان ستكون مهمة شاقة وعسيرة وطويلة الأمد ولكن قراءة سريعة ربما لأهم 200 برقية منها يمكن أن تجعلنا نخرج بمجموعة من الملاحظات العامة.
الملاحظة الأولى تتعلق بهدف كل هذه البرقيات، فالبعض يعتقد بأنها تمثل عملا تجسسيا بامتياز ولكنها في واقع الأمر ليست أكثر من منظومة سياسية ودبلوماسية لنقل المعلومات حيث تعمل كافة السفارات الأميركية في العالم على «التواصل» مع النخبة السياسية والاقتصادية والرأي العام كلما كان ذلك ممكنا للحصول على المعلومات والآراء المتعلقة بأهم القضايا في الدولة التي توجد فيها السفارة، لعل ذلك يعين على اتخاذ القرارات الاستراتيجية الأميركية بناء على أفضل المعلومات الممكنة. وبالرغم من أن هذه البرقيات يكتبها السفير فإنها تكون على ما يبدو مصاغة من قبل فريق متعدد الخبرات والتخصصات فالبرقيات لا تقتصر على الشأن السياسي بل وتضم معلومات دقيقة وتفصيلية في شؤون الاقتصاد والإعلام والصحة والمياه والطاقة والبيئة والنقل وغير ذلك من التخصصات التقنية، مما يؤكد وجود منظومة من الباحثين والمصادر والتي تتابع كل تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والتنموية في الأردن. بالنسبة لي كمواطن أردني سأكون في غاية الرضى لو كانت طواقم السفارات الأردنية في عواصم العالم المؤثرة تقوم بنفس هذا الجهد في تجميع وتوثيق المعلومات ومعرفة الخيارات الممكنة للدبلوماسية الأردنية وكذلك للفرص الاقتصادية والاجتماعية المتاحة في هذا الدول، ولو كانت في سفارات الأردن كوادر تعمل على تجميع المعلومات وتحليلها أكثر من كوادر تنظيم البروتوكولات لكان ذلك أمرا رائعا.
الملاحظة الثانية هي أن مضمون الوثائق لا يشكل أي حرج سياسي للدولة الأردنية، فلا توجد معلومات سرية تهدد الأمن القومي خاصة في سياق السياسات الأردنية تجاه القضية الفلسطينية والعراق وإيران وسوريا، كما لا تتضمن الوثائق مواقف رسمية متناقضة مع الموقف الرسمي المعلن من هذه القضايا. ولكن الوثائق تشكل حرجا كبيرا بالنسبة لعدة شخصيات من النخبة السياسية والإعلامية الأردنية والتي اندفعت للحديث بشكل متسرع وغير منضبط للسفراء والدبلوماسيين الأميركيين حول قضايا داخلية وخارجية وقدموا مواقف تختلف عما هو معلن من مواقفهم الشخصية أو الرسمية أثناء خدمتهم للدولة، وهذا في الواقع يمثل درسا واضحا في ضرورة الحرص والحذر لدى الحديث مع دبلوماسيين أو خبراء أو سياسيين من الدول المؤثرة خاصة عندما يحاول البعض من النخبة السياسية ربط رأيه الشخصي بالمواقف الرسمي للدولة.
الملاحظة الثالثة هي أن السفارة الأميركية تحظى بالكثير من «الأصدقاء» على أعلى المستويات في الأردن من سياسيين ونشطاء وإعلاميين، وهم يتواصلون بشكل مستمر مع السفارة ويتناقشون معها ويقدمون «رؤيتهم» ومعلوماتهم تجاه القضايا الداخلية والخارجية. وتقوم السفارة الأميركية بتسمية أصدقائها بلقب «مصادر Contacts عندما يكون الحديث معهم مباشرا أو وسطاء محاورين Interlocutors عندما يقوم هؤلاء بتنسيق حوار غير مباشر بين السفارة وجهات حزبية أو سياسية لا توجد لديها اتصالات مع السفارة. هؤلاء الأصدقاء يرتاحون كثيرا عند الحديث مع السفراء والدبلوماسيين الأميركيين، حتى أن أحد المستخدمين الأردنيين لشبكة تويتر وصفهم بأنهم بمثابة «ضيوف لدى الدكتور فيل» صاحب البرنامج الحواري الشهير حيث يقومون «بالفضفضة» له عن كل تفاصيل عملهم وآرائهم السياسية، وهذا ما يشير إلى أزمة حقيقية لدى هذه النخب التي يجب أن تتحلى بالتحفظ في الحديث مع سفراء ودبلوماسيين أجانب عن الشؤون الداخلية.
الملاحظة الرابعة تتعلق بالهوس المستمر لدى السفراء والدبلوماسيين والمحللين في السفارة الأميركية بتصنيف النخبة السياسية الأردنية إلى «شرق أردني» و «أردني من أصول فلسطينية» حيث يتم دائما ربط الصفة مع كل شخصية سياسية او اقتصادية يتم الحديث بشأنها أو معها. وللاسف تتضمن طريقة صياغة بعض الجمل والفقرات نوعا من التحيز من قبل السفارة لنظرية «الحقوق المنقوصة» في الأردن وإطلاقا جزافيا لأحكام ظالمة ومستفزة تجاه بعض السياسيين والإعلاميين الأردنيين بوصفهم «إقليميين» أو «يمينيين» أو «مناهضين للإصلاح»، ويقع اللوم في ذلك بشكل رئيسي على المحللين والمستشارين والمصادر التي تستخدمها السفارة الأميركية ولكن ايضا على سياسة السفارة نفسها والتي تؤيد مثل هذه التصنيفات وتعززها أمام صناع القرار في واشنطن.
الملاحظة الخامسة مفادها أن رؤية الصورة الشاملة للدبلوماسية والسياسات الأردنية عبر تسريبات ويكيليكس يجب أن تتضمن ايضا متابعة البرقيات الصادرة عن السفارات الأميركية في تل أبيب وبغداد والقاهرة وبعض الدول الأخرى، فالبرقيات الصادرة من تل أبيب تشير وبوضح إلى أزمة حقيقية في العلاقات الأردنية الإسرائيلية منذ انتخاب نتنياهو وتؤكد على الضغوطات الدبلوماسية الأردنية ضد إسرائيل وخاصة في موضوع القدس، ولكن هذه المعلومات غير متاحة للراي العام الأردني وبالتالي تعطي مصداقية زائفة لبعض طروحات المعارضة بأن التعامل الأردني مع إسرائيل ليس على المستوى المطلوب من الشدة والحزم.
الدستور