خريف " الإخوان "

خريف " الإخوان "
الرابط المختصر

** مشكلة مرسي اصطدامه مع شرعية الميادين التي جاءت به

لم نُصدِّق ما تنبأ به المرشح الخاسر أحمد شفيق بعد إعلان نتائج الصناديق بأن الرئيس الفائز محمد مرسي لن يكمل ولايته الأولى، بل صدّقنا ما جاء في تعليق الكادر الإخواني المتقدم عصام العريان عندما قال: " سيكمل مرسي ولايته ويترشح لولايه ثانية ". لكن ما جرى أن الرئيس الجديد غرق في تفاصيل السلطة وسار على حبل مشدودٍ داخليٍ وخارجيٍ ، فانتهج في الداخل سياسة التسلط والإقصاء في حين ناور في الخارج بذكاء أكبر واستخدم السياسة البراغماتية مع دول العالم ومع إسرائيل ما صلّب شرعيته.

لكن مشكلة الرئيس محمد مرسي أنه اصطدم مع شرعية الميادين نفسها التي جاءت به للسلطة، تلك الشرعية التي انحنى لها وجاء ليحلف اليمين الدستورية مرة أخرى أمامها، لكن؛ بعد أن شاهد زحف الميادين عاد للتمسك بالشرعية الدستورية ، التي باتت بفعل الزلزال الكبير تصطدم بالشرعية الثورية الشعبية.

لا شك أن الرئيس محمد مرسي انتخب بطريقة ديمقراطية، لكنه تصرف بطريقة سيئة قادته إلى الاصطدام مع حلفائه السياسيين أولاً ومع الجماهير التي انتخبته ثانيًا ، ما عجّل في رحيله ، وهذا يدعونا نتجاوز مشروعية " الانقلاب " إلى السؤال الأهم : هل الرئيس المخلوع استحق ذلك الخروج الجماهيري الكبير؟ نعم؛ لقد استحق كل تلك الثورة الشعبية ، لأنه مارس حكمًا تسلطيًا واقصائيًَا مقرونًا بجهل كبير في إدارة دولة كبيرة وشعب عظيم مثل شعب مصر .

الجيش المصري العريق ايضًا لعبها بحرفية عالية أبعد نفسه عن الدخول في دهاليز السياسة ومتاهات الحكم، ولم يترك البلد للفوضى، فوضع الخيار أمام الرئيس مرسي ، الاصطدام بالجماهير أم مواجهة الجيش وقوات الأمن ، وهو خيار صعب هرب منه مرسي إلى تمسكه بالشرعية ، ورفضه التنحي وترك الجيش يتصرف بطريقة تجعله في حكم " الضحية " .

لن يعود " الإخوان " إلى أعمالهم وبيوتهم بهدوء ساكتين على ما جرى لهم ، فقد يتصرف الكبار منهم بطريقة أكثر كياسة، لكن الصغار في الشوارع سيحملون أسلحتهم وهراواتهم لينتقموا من أفراد هنا وهناك ، وهو نوع من تفريغ شحنات الغضب المكبوت في الصدور .

أنا متأكد أن مراجعة تجربة الإخوان المسلمين ستبدأ على مستوى مكتب الإرشاد العالمي ، فالإخوان حتمًا باتوا يعترفون بجزء من أخطائهم، لكن خطأهم الكبير ، هو سعيهم إلى " المغالب " والركض وراء بريق الحكم .

يحاول الكثير من الكتّاب والمحللين الوصول إلى استنتاجات مستعجلة وغير عادلة قياسًا على زلزال مصر الكبير ، فمنهم من قال بنهاية حكم الإخوان ، وفشل مشروعهم السياسي وسقوط حكم الإسلام السياسي ، وصولاً إلى قول " نهاية حلم الخلافة " ، وكلها أحكام غير واقعية، فالإخوان المسلمون في العالم العربي ، لم يحكموا إلا في السودان وهي تجربة فاشلة في جميع المقاييس السياسية والاقتصادية ، لكن حكمهم في تركيا طوال العقد الماضي كان نموذجًا ناجحًا وباهرًا وملهمًا ، " الإخوان " في المنطقة حلموا أكبر من واقعهم ، ولعبوا في ساحات ليست لهم ، لذا هم اليوم مصدومون، لم يتخيّلوا أن تخرج الملايين لتهتف بسقوط حكمهم ، وهم مدعوون إلى العودة إلى حجمهم الطبيعي لا أن يتوهموا أن الإرادة الإلهية أوكلت لهم مهمة قيادة الجماهير من البحر إلى النهر.

فما جرى ليس نهاية، بل بداية ، إن رغب" الإخوان " العودة إلى أرض الواقع والاتعاظ من تجربتهم في مصر وخوفًا على تجربتهم في تونس وسورية ، فهم اليوم في " خريف مبكر " فإن استمروا على تجاهل الحقائق وتجاهل مطالب الجماهير فإنهم إلى زوال هم ومشروعهم السياسي وإن فكروا وطوروا تجربتهم قياسًا على حاجات الناس ومتطلبات العصر ومنطق الساحات والميادين فإنهم عائدون ، لكن بحلة جديدة تقوم على استلهام المخزون الديني وليس استعماله في قهر الآخرين واخافتهم وقيادتهم .

ما نحتاجه اليوم هو إطلاق حياة ديمقراطية حقيقية تقوم على الشفافية والمساءلة والحداثة وحكم القانون ، فهل " الإخوان " قادرون على الانتقال من " الدعوة " إلى " الدولة " ؟ .

العرب اليوم