حكومة برسم التعديل
جاءت التشكيلة الحكومية عادية غير مبهرة للرأي العام ولم تكن فيها مفاجآت بل انها لا تستحق كل هذا العناء والوقت من المشاورات النيابية والجولات المكوكية للرئيس المكلف بين البرلمان والاحزاب السياسية.
وأول ما يسجل للرئيس النسور انه نسج شباكه وخيوطه ومصائده بمهارة فائقة، وخرج من ضغوطات الكتل النيابية "مثل الشعرة من العجين" ولم يسلم بمطالبات اغلبية النواب بتوزيرهم وكذلك لم ياخذ بالاسماء التي طرحت عليه، وقد استعمل تكتيك "شراء الوقت" بذكاء فائق ، حتى ان أوساط النواب والرأي العام ملت وأصبح الجميع يطالب بتعجيل التشكيل الوزاري بمن حضر، لكن ذلك سيكون مدار بحث وتمحيص في جلسة الثقة المنتظرة.
وفي المقابل لا يبدو ان الكتل البرلمانية ستكون راضية بعدما "خرجت من المولد بلا حمص" اي لم يدخل الحكومة اسماء عرضتها الكتل النيابية مع ان بعض اسماء للوزراء الجدد ذكرت في المشاورات ،لكن الاسماء التي طرحتها الكتل الكبيرة لم توزّر، وهذا لا ينفي صفة الحكومة البرلمانية عن هذه الحكومة لانها تعني المشاورة مع النواب وتعني ان تحصل على ثقة مجلس النواب.
وكذلك غاب بعض الاسماء من الوزراء العابرين للحكومات ( حسان، البطاينه) والذين يبدو انهم طلبوا الاستراحة او تغيير الوزارة، مع ان المنصب الحكومي او الوزاري هذه الايام لم يعد مكسبا في زمن الربيع العربي وخاصة من جرب المنصب وخبر ويلاته.
ومن مزايا التشكيلة الجديدة انها "رشيقة" لكنها جاءت لدرجة "الهزال" خاصة وان هناك دمج لوزارات كبيرة تحتاج الى فصل مثل وزارة المياه والزراعة لتضارب المصالح بينهما، وهناك تناقض بين شخصية وزير الداخلية كشخصية أمنية وشخصية وزير البلديات كوزير خدمات والجمع بينهما خطأ جسيم، وكان من الافضل لو أبقيت وزارة التربية والتعليم مع التعليم العالي لأن ذلك اقرب الى المنطق، لكن من غير المنطقي ان تدمج ثلاث وزارات في وزارة واحدة وهي شؤون الاعلام والشؤون السياسية والشؤون البرلمانية.
ونعرف ان الكفاءة هي المعيار الاصح لكن في غياب ذلك يمكن التأشير على الاسماء الجديدة، فنجد ثلاثة من الوزراء جاءوا من البلقاء واثنان من عجلون واثنان من قبيلة واحدة، بينما هناك محافظات ومناطق لم يأت منها وزير كالزرقاء وجرش ومادبا والبادية، وكذلك جاء وزير خاض الانتخابات النيابية الاخيرة دون توفيق،وفي المقابل فإن ثمة وزراء جاءوا في الموقع الصحيح ومنهم وزير الاشغال وليد المصري وحازم الناصر وابراهيم سيف ومجلي محيلان ومحمد المومني ومحمد الوحش، وفي المقابل فإن وزراء جُربوا ولم يكونوا بالمستوى المطلوب لكنهم عادوا.
المواجهة الحقيقية ستكون في مجلس النواب، لأن الكتل والنواب الافراد سيسألون عن كل اسم وكل حقيبة وكل غياب، ولا تكفي وعود الرئيس بأن الحكومة الجديدة برسم التعديل وسيعاد تشكيلها بعد عدة اشهر وان ثمة حقائب بانتظار النواب، وهذه الفكرة إن تحققت فانها ستخربط العملية السياسية والبرلمانية، اضافة الى ان اللجوء الى تكتيك "دمج الوزارات "من اجل إعادة التشكيل لاحقا قد لا يكون مقبولا او مبررا.
فهل هذه الحكومة هي الحكومة التي تحدث عنها جلالة الملك عبدالله الثاني في الاوراق النقاشية ووصفها بأنها حكومة ستعمر بعمر البرلمان اي اربع سنوات ؟هل هذه الحكومة ستقدم الخطط والبرامج والحلول ضمن جداول زمنية محددة ؟هل اقتربت هذه الحكومة من هموم الناس وحراكاتهم في الشوارع؟ أشكُ في ذلك.
العرب اليوم