توقفت عجلة "العرب اليوم" عن الدوران، وأعلن مالكها تعليق صدورها لمدة شهرين. والخوف أن يطول التعليق أكثر.
العاملون فيها والصحفيون خرجوا إلى الشارع للمطالبة بحقوق عمالية تكدست على إدارة الصحيفة، ورواتب لم تدفع منذ ثلاثة أشهر.
كان خبرا صاعقا! فـ"العرب اليوم" في الوجدان، ولها في الذاكرة أيام مؤثرة. إذ فتحت لنا، ذات زمن حالك، صفحاتها لخط كلمات أُغلقت في وجهها منابر أخرى. ورفعنا فيها راية الصحافة اليومية الحرة.
ومنها، حيث دوار المدينة الرياضية، انطلقت أقلام واعدة، استطاعت لاحقا أن تصنع لنفسها رؤية وهدفا واسما وعنوانا في عالم الصحافة. ومنها اقتحمنا حصن الصحف اليومية التي كانت دوما حكرا على أشخاص معينين.
ولأن "العرب اليوم" تعرف أن لكل شيء من اسمه نصيبا، فإنها شعرت بحال عربنا اليوم، كما يبدو؛ فتوقفت عن الصدور، لأن الحال من الخليج إلى المحيط لا ترضي أحدا.
عشنا، أنا وثلة من الزملاء الذين انتقل جزء مهم منهم لاحقا إلى "الغد"، تجربة التأسيس، وعايشناها وهي تبنى؛ قاعة قاعة، وطابقا طابقا، ومكتبا مكتبا.
وأشرفنا، بدون مبالغة، على نوع المكاتب التي جلسنا فوقها لاحقا. ولم يكن يهمنا غير الصدور وولادة المولود الأول. وكنا على أحر من الجمر في انتظار رؤية العدد الأول، لنتسابق جميعا على أن يكون لنا مواد وأخبار فيه، وهذا ما حصل.
انطلقت "العرب اليوم" في 17 أيار (مايو) 1997، فكانت عند حسن الظن، واستطاعت أن تؤسس لنفسها مكانا قويا بين الصحف اليومية، بفضل الأستاذ الكبير المعلم طاهر العدوان، الذي ترك بصمات لا تنتهي على الصحيفة وخطها، وأمّن لها مساحة رحبة من الحركة غير متناهية، كان يفتقدها آخرون وقت ذاك.
منذ العام 1997 وحتى 2004، عندما انتقلتُ وثلة من الزملاء إلى الحبيبة "الغد"، كنا قضينا سنوات سبع في "العرب اليوم"، فيها الكثير من الألفة والود والعمل والبناء، وراقبنا الصحيفة وهي تكبر يوما بعد يوم، وكيف استطاعت أن تصنع لنفسها مكانا على واجهات محلات بيع الصحف، وفي قلوب القراء وعقولهم؛ فكانت ملاذ المعارضة والحكومة معا.
لطالما شعرت بالحنين لـ"العرب اليوم"، ولأصدقاء التأسيس فيها، وبقيت القريبة إلى قلبي. وحتى عندما انتقلت منها، حيث شارع الملكة رانيا (الجامعة)، إلى معشوقتي "الغد"، لم يتراجع حضورها في خاطري، وبقيت بالنسبة لي بعد "الغد"، ركنا أساسيا من أركان العمل الإعلامي الهادف، تؤسس مع "الغد" لصحافة يومية غير مملوكة للحكومة، ودالّة الحكومة عليها وعلى "الغد" أقل بكثير جدا من الشقيقات الأخريات.
تعليق صدور "العرب اليوم" لم يكن يوما جيدا، هو يوم أسود في تاريخ الصحافة اليومية الورقية الخاصة. وكان على مالكها أن يعدّ حتى العشرة قبل أن يقدم على قرار تغييب "العرب اليوم" عن القراء وعن الشارع الأردني، فالصحيفة ليست لمالكها فقط، وإنما ملك القراء والمجتمع والشارع والناس.من حق زملائي الذين عاشرتهم في "العرب اليوم": نبيل غيشان، أسامة الرنتيسي، يحيى شقير، سحر القاسم، سامي محاسنة، منصور معلا، أنور زيادات، جهاد الرنتيسي، عزام جرار، مازن حجازي، نداء عبوشي، ليندا معايعة، عوني فريج، حمد العثمان، ساندرا حداد، آيات علاونة، معاذ عصفور، يسرا أبو عنيز، عدنان نصار، ماجدة عطاالله، أسعد العزوني، عبدالله اليماني، أحمد النسور، غالب علاوين، أحكام الدجاني، وليد شنيكات، عمر شنيكات، وزملاء آخرين جاءوا إلى "العرب اليوم" لاحقا ولم أتشرف بزمالتهم تحت سقفها كالزملاء وليد حسني وعماد السعايدة ومحمود منير وهدا سرحان وآخرين، من حقهم أن أنتصر لهم وأعلن وقوفي وانحيازي إلى جانب مطالبهم العادلة، وحقهم في الحصول على رواتبهم المتأخرة، وحقهم في العمل.
الزملاء في "العرب اليوم" يقضون أيام رمضان متسمرين أمام باب صحيفتهم، على أمل أن يأتي الخبر/ الأمل، وأن تُفتح الأبواب المغلقة ويسمح لهم بالدخول لبيت المعشوقة، وبث الحياة في أروقتها وعروقها، وإعادتها لنا وللقراء المكلومين.
الغد