حزب الوسط وفكرة «الترويكا» البرلمانية!

حزب الوسط وفكرة «الترويكا» البرلمانية!
الرابط المختصر

أغلق الاخوان المسلمون الباب امام محاولات حزب الوسط الاسلامي لاستقطابهم الى المشاركة في الحكومة، وبذلك تلاشت فرصة البحث عن حكومة “وفاق” وطني تجمع بين القوى السياسية التي شاركت في الانتخابات وحجزت “مقاعدها” في البرلمان وبين ابرز القوى التي قاطعت والتزمت بموقف المعارضة.

من الواضح ان حزب الوسط الاسلامي الذي حازت قائمته الانتخابية على أعلى عدد من المقاعد بدأ يتصرف من موقع صاحب الأغلبية البرلمانية، فقد تعمد عدم الرد على الانتقادات والاساءات التي تعرض لها من قبل بعض الاطراف التي شككت في وزنه البرلماني والشعبي، كما انه انطلق في مشاوراته مع الكتل الاخرى من فكرة “لمّ الشمل” لاخراج البلد من أزمته، وذلك من خلال كسر حدّة الثنائيات التي أعاقت الوصول الى تفاهمات بين مختلف القوى السياسية، واذا كان قد فشل في اقناع “الاخوان” بالانخراط في العملية السياسية فان امامه فرصة لاقناع الأطياف الاخرى على اختلاف توجهاتها للتفاهم على “وصفة” ائتلافية تنهي حالة “تدوير” الوجوه في المواقع، وتجدد بالتالي الحيوية السياسية في الحكومة والبرلمان لتحقيق هدف واحد وهو اعادة ثقة “الشارع” بالدولة وبالمؤسسات وبمشروع الاصلاح.

بعيداً عن “تقييم” تجربة حزب الوسط الاسلامي، وعما يمكن ان يطرح من مقارنات بينه وبين احزاب اخرى (التنمية والعدالة في المغرب مثلاً)، او من تحفظات على علاقته بالمجتمع او الدولة، فان من الانصاف الاشارة الى ان ما حصل عليه مقاعد في البرلمان كان متوقعاً في ظل ثلاث اعتبارات” اولاها استثماره في “حقل” التدين من خلال ابراز خطاب اسلامي معتدل عابر للخصومات والمناكفات والصراعات الديمغرافية والمذهبية، وثانيها استفادته من “الفراغ” الذي تركه الاخوان حين قاطعوا الانتخابات اما الاعتبار الثالث فهو قدرته على ادارة جولته في الانتخابات الاخيرة بمهارة، سواء على صعيد الخطاب الانتخابي ومضامينه او على صعيد المزج في اختيار المرشحين على قائمته بين الحضور الديني والاجتماعي والديمغرافي اوعلى صعيد اعتماد منطق “الوفا” في التعامل مع كافة اطراف العملية السياسية، سواءً رسمية كانت أو شعبية.

من المفارقات ان الذين كانوا ينتقدون “الاخوان” ويحرضون عليهم (لاسباب معروفة) انتقلوا فوراً الى التحريض على “الوسط الاسلامي” وتوزيع الاتهامات ضده، ومع الاحترام لوجهات النظر المختلفة متى التزمت بالحد الادنى من اخلاقيات الخصومة السياسية، فان موقف هؤلاء “الشطار” الذين كشفت الانتخابات الاخيرة التي تحمسوا للمشاركة فيها عن وزنهم الحقيقي في الشارع، يعبر عن اتجاهين: احدهما الانتهازية السياسية حيث لا يعترف هؤلاء بالديمقراطية ولا بحكم الصناديق الا اذا صبت في رصيدهم وبالتالي فهم لا يترددون عن “اتهام” أي طرف او اقصائه ما دام ان ذلك يغطي على فشلهم وعلى “انحيازاتهم” غير المفهومة، اما الاتجاه الآخر فيمثل نوعاً من “العدائية” نحو كل ما يتعلق بالدين وبقيم الامة وتراثها، وسواء اكان الاسلاميون، اخواناً او وسطاً، أو كان غيرهم من الملتزمين بقضايا الامة، يقفون على هذا الخط فان موقفهم يبقى كما هو، محملاً بالتشويه والرفض والاقصاء، فالعداء هنا ليس للأشخاص وانما للفكرة والمنطلق ايضاً.

الآن، بوسعنا أن نتوقع من حزب الوسط الاسلامي وكتلته في البرلمان ان تتجه الى مسارين: احدهما افراز “ائتلاف” برلماني يحمل فكرة “الوفاق” و”لمّ الشمل” الى الميدان السياسي بحيث نرى تجمعاً نيابياً يضم مختلف الاطياف السياسية والفكرية يؤمن “الأغلبية” ويرسخ تقاليدها، او المسار الآخر فيتعلق بالاصرار على مبدأ “الوفاق” هذا على صعيد تشكيل خارطة البرلمان وعلى صعيد تشكيل الحكومة القادمة، واعتقد هنا انه يمكن للوسط ان يتوصل الى معادلة تقوم على أساس انتاج “تآلف” بين ثلاث كتل: احداها كتلة تمثل اليمين داخل البرلمان والاخرى تمثل “اليسار”، اما الثالثة فتمثلها كتلة “الوسط” واذا ما نجح في ذلك فستكون هذه “الترويكا” ذات وزن قادر على تعويض حضور الاحزاب المفقود في تجربتنا البرلمانية والسياسية، كما انها ستكون منطلقاً لبناء تجربة سياسية جديدة شبيهة بالتجربتين المغربية والتونسية.

الدستور

أضف تعليقك