حاملو الجنسيات المزدوجة ليسوا خونة!

حاملو الجنسيات المزدوجة ليسوا خونة!
الرابط المختصر

لست من مؤيدي حرمان الأردنيين حاملي الجنسيات الأخرى من تقلد المناصب العامة بعد التعديلات الدستورية الأخيرة. ولا أعلم إن كان النواب والأعيان الذين أقروا هذا التعديل الدستوري كانوا يعلمون أبعاد هذه القضية وتداعياتها!

ما أعرفه يقينا أن بعض من ذهب بهذا التوجه مقتنع بأن ازدواجية الجنسية مرادفة برأيه لعدم الولاء والانتماء، والآخر كان يعتقد بأن هذا التوجه سيحرم العديد من الشخصيات العامة الإشكالية من المشاركة في الحياة العامة، ممن أطلق عليهم لقب "الديجاتليون" وأحيانا "الليبراليون".

وبغض النظر عن النوايا، فإن هذه القضية خلقت أزمة لا يعرف كيف ستحل. فلا توجد مرجعية تستطيع أن تتوثق وتعرف من هم الأردنيون الذين يحملون الجنسيات الأخرى لتحسم هذا الأمر، وزاد الطين بلة تصريحات وزارة الخارجية بأن الحكومة الأردنية لا تستطيع إلزام السفارات الأجنبية بالإفصاح عن أسماء الأردنيين الذين يحملون جنسيات أخرى. وبعيدا عن النوايا والاتهامات، لم تناقش قضية ازدواجية الجنسية من وجهة نظر حقوق الإنسان.

من وجهة نظري الشخصية، أعتقد أن ما حدث اعتداء على حقوق المواطنة، فكيف يكون الأردنيون متساوين في الحقوق والواجبات، إذا كان هناك انتقاص من حقوق من يحملون جنسيات أخرى، وكيف نحرم أردنيين من تولي المناصب العامة؟

لا أعرف الدول التي تحرم مواطنيها من تقلد مناصب عامة لأنهم يحملون جنسيات أخرى، ومن المهم أن تقوم مؤسسة حقوقية بعرض هذا الأمر وعمل مقارنات. ولكن حسب علمي، فإن أميركا مثلا لا تضع هذا الشرط إطلاقا، والشرط الوحيد لرئيس الولايات المتحدة أن يكون مولودا في أميركا. وأعتقد أن الدول الأوروبية في غالبها لا تمنع تقلد المواقع العامة لمزدوجي الجنسية.  في الأردن نتغنى إذا سمعنا أن أردنيا يحمل الجنسية أصبح رئيسا لبلدية في أميركا وأوروبا ونعتبر هذا قوة لبلدنا، ونفس الأمر إذا فاز أي أردني ممن يحملون الجنسيات الأجنبية في البرلمان. ما نعتبره إنجازا في الخارج ونشجعه نفعل عكسه داخل بلدنا، ويصبح إقرار المادة الدستورية نصرا مؤزرا عند البعض يعبر عن نهج إقصائي.

قصة الجنسيات المزدوجة والزوبعة التي أثارتها في الحكومة والبرلمان أكثر تعقيدا. فحتى الآن لم يصرح سوى نائب واحد بأنه تخلى عن جنسيته الأخرى ليستمر في عمله البرلماني، ولم يفعل ذلك سوى وزيرين قالا بأنهما تخليا عن جنسيتيهما، في حين استقال خمسة أعيان من المجلس امتثالا  للنص الدستوري، ولم يحسم الجدل الدستوري حول إن كان سريان النص فوريا أم لاحقا!

وكما يقولون "الشيطان يكمن في التفاصيل"، فلا يكفي أن يقول الوزيران إنهما تقدما بطلب تخلٍ عن الجنسية، لأن ذلك لا يعني أنهما فقدا الجنسية الأخرى، فقبول وإقرار التخلي عن الجنسية الأخرى يستغرق وقتا طويلا ويمر بإجراءات قانونية معقدة، ولا يتم الأمر بلحظة، وهذا يعني أن الوزيرين وغيرهما، وحتى النواب أو الأعيان الذين لم يقدموا استقالاتهم، ما يزالون يتمتعون بجنسيات أخرى ويخالفون الدستور!

باختصار، ما فعلناه ورطة، والأبعاد القانونية شائكة. والأهم أن هناك من يدفع بالشارع لأن ينظر لمن يحملون جنسيات أخرى بأنهم خونة وليسوا وطنيين، وهذه هي المصيبة بعينها!

الغد