حالة “الاحتجاج”.. تقدير موقف!

حالة “الاحتجاج”.. تقدير موقف!
الرابط المختصر

يتطور الحراك الاجتماعي يوما بعد يوم، وتتصاعد حدة شعاراته وسقوف مطالبه، ويستقطب فئات جديدة، وتتوسع جغرافيته، لكن في المقابل لم تتضح بعد خرائطه واهدافه، ولم يستطع ان يتجاوز التباسات الحماسة والانقسام، ومخاوف عدم نضوج «الفكرة» وفزاعات التخويف التي يضعها البعض في طريقه، كما انه لم يمتلك ما يلزم من ادوات للتمدد واقناع «الكتل» الصامتة بجدوى الانضمام اليه.

على الصعيد الرسمي ما زال التعامل مع هذا «الحراك» يأخذ جانب الحذر، وثمة تقديرات ترى بأنه في دائرة «الاستيعاب» ولا يشكل اي خطر، وبالتالي فان استمراره وفق هذا «الايقاع» يبدو مقبولاً ويمكن استثماره: داخليا للتنفيس عن المكبوتات الشعبية او لمراقبة «الحدث» وتقدير حجمه وتأثيره، وخارجياً لتصدير الصورة المطلوبة التي تعكس «حركة» ما باتجاه الاصلاح.

على صعيد «جبهة الاصلاح» والفاعلين فيها ثمة تقديرات «متفائلة» ترى ان «مسار» الحراك في تصاعد مستمر، وان ما انجزه في مستويات الوعي الشعبي من كسر لحواجز الخوف، وكشف لعيوب المرحلة السابقة، وفتح «لملفات» جرى التغطية عليها، وابقاء المسؤول في حالة «استنفار» وترقب، تعد انجازات مقبولة، وما كانت لتتحقق وتدفع باتجاه ما حصل من استجابات (ولو كانت شكلية حتى الآن) لولا الاصرار على ادامة «الحراك» والضغط بهذا الشكل.

لا يُخفي هؤلاء - ايضا - حقائق اخرى تشير الى «قدرة» الحكومة بأجهزتها المختلفة على «محاصرة» هذا الحراك، او الى «المشكلات» التي عاقت امتداده شعبياً، كما لا يخفون ما يعانيه الحراك من «نواقص» على صعيد توحيد الصفوف والاهداف، أو على صعيد «غياب» الأطر والمرجعيات، أو تواضع التواصل بين «النخب» الاصلاحية والقواعد الشعبية، أو عزوف البعض عن المشاركة لاسباب مفهومة أحياناً وغير مفهومة احيانا اخرى.

عملياً، لا يمكن مقاربة نموذج «الحراك» الاردني بغيره من النماذج التي تابعنا فصولها في بعض اقطارنا العربية، وبالتالي لا يمكن نقل او تقليد «صورة» ما حدث هناك، وهذا يرتب على الفاعلين في مجال المطالبة بالاصلاح «ابداع» نموذج خاص بهم، يتناسب مع الواقع الاردني، ويقنع الناس به، ويضغط على المسؤول للتعامل معه بمنطق الاستجابة الفعلية لا بمنطق الاجابة «الشكلية» فقط.

حتى الآن، ما زال «نموذج» الحراك الاجتماعي (والسياسي ايضا) متواضعا في تركيبته وحركته وادائه، فيما لا يزال الرسمي يتعامل معه وفق «تقديرات» وخطوات ومبادرات تتناسب مع حجمه وحركته، بمعنى ان حجم ما تحقق من وعود اصلاحية يتناسب طرديا مع حجم ما شهدناه حتى الآن من حراك في الشارع، وهذه المعادلة ستبقى قائمة ما لم يحدث أي تغير في مدخلاتها.

هذا لا يعني _ بالطبع - ان المشهد السياسي سيحافظ على ايقاعه، او ان الموقف «الرسمي» منه سيظل في دائرة القبول والاستيعاب، او حتى في دائرة «الاسترخاء» مع بعض الحذر، فثمة مؤشرات (غالبا ما تنطلق من ارضيات اقتصادية) تشي بأن المشهد مرشح لمفاجآت اخرى، مما يستلزم التفكير جدياً بخطوات استباقية وذكية تستثمر في «الحراك» الحالي وتستفيد من فرصته مصلحة تحقيق «اصلاح» حقيقي يجهض كل ما يمكن توقعه من سيناريوهات ممكنة أو غير ممكنة، بدل «الرهان» على تواضعه ومحدوديته والتعامل معه بلغة «شراء الوقت» والتسويف او بمنطق المواجهة «الغليظة» التي ستفضي الى ولادة ازمات جديدة بدل ولادة حلول ومخارج آمنة ومقنعة.

يبقى أن سؤال تقدير الموقف، سواء من طرف جبهة الاصلاح ودعاته ولامشغولين به أو من طرف «الرسمي» واجهزته يحتاج الى قراءات اخرى قد تكون مغايرة.. لكنها - بالتأكيد - ضرورية لمعرفة تجاه «بوصلة» الاصلاح، وقبل ذلك للاطمئنان على مستقبل بلدنا الذي - يقع (مثل غيره من بلداننا العربية) - في بؤر متغيرات ومستجدات لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها بلا حسابات عقلانية.. وبلا قرارات مدروسة وعاجلة وربما صادمة أيضاً!

باختصار، حالة «الاحتجاج» في بلدنا، تحتاج الى تقدير موقف يأخذ بعين الاعتبار ما يجري في داخل مجتمعنا، وما يحدث في الاقليم، وما يدور في «صالونات» السياسية الدولية من خطط وسيناريوهات.. وقبل ذلك ما يحتاجه بلدنا من «عبور» آمن ومضمون الى شطآن الاصلاح والامن والاستقرار.

فهل لدينا مثل هذا «التقدير» أم اننا نتعامل مع الحدث بأساليب الفزعة والارتجال وردود الفعل.. وبالاستسهال والتهوين والانتظار أيضاً؟!.

الدستور