جن وضرورة محاربة الرقابة الذاتية

الرابط المختصر





كشخص يعمل في مجال إنتاج مضمون عربي في السنوات الثماني عشر الماضية استطيع القول ان الرقابة الذاتية هي سبب  احتضار الحضور العربي على الشاشة الصغيرة ويضاف الى ذلك تهربنا من الاهتمام بأهم عناصر الرواية التلفزيونية وهو النص.

 

فالطريقة الناجحة للتدمير الذاتي كان قد تم الابتعاد عنها جزئيا في مسلسل "جن" وجاء ذلك عندما تم رفض الرقابة الذاتية وذلك بحد ذاته هو سبب لكي نقوم بالزغرته لنجاحه.

 

انا مقتنعة ان بعد عقود من الرقابة الذاتية علينا فتح أعيننا للوضع المأساوي الذي أوصلتنا إليه تلك الرقابة المخيفة.

ولذلك فإن رؤية اول مسلسل عربي اصيل مع نتفلكس يرفض الرقابة الذاية يستحق المكافأة وهو أمر يحرر الفنانين من القيود الفكرية، واقول هذا مع أنه لا يوجد لي اي علاقة مباشرة مع  المسلسل بأي شكل من الأشكال.

 

ولذلك فمن الضروري أن نقوم بتقديم الشكر الجزيل لمسلسل "جن"، فلو اعترفنا او لم نعترف فمنذ اللحظة التي بدأ فيها الجميع بالتهجم على المسلسل لكل ما فيه يجب علينا أن نشكر "جن" لتحمله الهجوم على برنامج عربي تحمل عبئ بسبب تعامله مع موضوع دائما ما يسمم الأجواء عند التعامل معه على الشاشة وهو موضوع الحب.

 

نعم قلت الحب ولم اقول الجنس،هناك الكثير من الجنس في البرامج الترفيهية العربية. ولكنها في غالبها من النوعية  البائسة غير الجاذبة والتي تشمل الاغتصاب، والابتزاز، والزواج غير المتبادل وتعدد الزوجات.

 

انه الجنس الذي يجري في غالبها في الحارات المعتمة وفي غرف النوم غير المضيئة. ولكن ورغم الشراشف الوسخة فإن الجمهور العربي راضي باستيعاب الجانب  الكئيب من العلاقات ولكنه سيكسر كل شي لتدمير برنامج يتحدى الأمور المعتادة للتعامل مع الحب ومع اختها البكر- الشهوة.

 

هذا هو المكان الذي يضع العرب الخط الاحمر. قيام رجل بمسك امراة بعنق مقبول ولكن مراهقة تدير وجهها لتقبل صديقها على الشاشة فإن ذلك جريمة شنيعة، فإذا حدثت يجب كسر الكاميرا ودعوة شرطة الأخلاق وفي حال "جن" الموضوع حقيقي وليس رمزي.

 

وقبل أن نغوص في الهجوم الكبير على القبل او استخدام الفاظ خالعة في "جن" والتي سببت أن يطالب المدعي العام منع البرنامج في الرد على الكم الكبير من المعترضين العفيفين والذين يحاول فرض قيمهم الرجعية  تحت مسمى الثقافة والتقاليد المجتمعية دعنا نحلل ما جاء في المسلسل.

"جن" مسلسل درامي تدور أحداثه في مدرسة خاصة بعمان، الأردن يعتبر اول انتاج نتفليكس عربي أصلي. المسلسل خاص بالشباب والشابات وهو الجمهور المستهدف لنتفلكس. هذا المسلسل تم إنتاجه في الأردن وقام باستقطاب القدرات الفنية الأردنية. هذا البرنامج عبر نتفلكس هو مسلسل خيالي ويهدف الى جذب اهتمام هذه الشريحة والتي يحاول كل ناشر ومنتج في المنطقة الوصول لها.

إذا هذا برنامج لجيل الشباب والذي نجح ولو بصورة بسيطة، بنقل قصة جيل المراهقين بنقل صادق لواقعهم وفي نفس الوقت نقل حياتهم المرفهة في مدارس عمان الخاصة. فالمسلسل يشمل شخصيات في سنوات الثانوية الأخيرة وهم يشتمون ويدخنون ويشربوا ويتعاملون مع هورمونات النضوج وفي نفس الوقت يتعاملون مع دخول الجن لحياتهم. يتم استخدام الحبكة الدرامية مواضيع حساسة مثل ضغوطات الأصدقاء والتنمر والعنف المنزلي والفقدان والحداد ورغم ذلك يتم التهجم على المسلسل أنه غير مناسب.

 

معظم الشباب ممن يشاهدون مسلسل جن على نتفليكس سيكونون قد شاهدوا أفلام ومسلسلات غير عربية تشمل لقطات ومناظر وحوارات تشمل إيحاءات جنسية أكثر من معظم المنصات. ولكن يبدو أن استماع عبارات نابية في لغتك ومشاهدة تقبيل هو أمر صعب لنا. نحن نتقبلها بالإنجليزي والفرنسي والتركي المدبلج سوريا ولكن لا سمح الله ان يتم عرضها كما هي وبدون مقص الرقيب عربياً.

 

ان الحقيقية أكثر التهاباً. فالذين لهم مشكلة مع ما شمله مسلسل "جن" يهاجمون ما هو قد يكون اهم انجاز للمسلسل: وهو خروج كلمات نابية وقبل من شفة فتاة اردنية. ولذلك فقط فإن الممثلة التي قامت بذلك هي فعلا بطلة المسلسل. فسلمى ملحس والتي تلعب دور ميرا، هي رائدة لكل مسلسلات نتفلكس الاصلية العربية ولكنا مدينون لها دين كبير بسبب جرأتها وصدقيتها من خلال قبلتها على الشاشة. وفي حين غامر البعض لإنجاح هذا المشروع الفني ليصل الى الشاشة الصغيرة فان سلمى وضعت رقبتها على المحك لإخراج حقيقة بسيطة تم تعقيدها من رياء المجتمع الذكوري في بلادنا.

 

تحملت سلمى الضربة الأولى والقوية على حساب الفريق. ففي عملها شرعنة الفتيات الأردنيات والعربيات حضور على الشاشة يعكس حقيقة ما يجري خلف الشاشات. فقد قامت بعملها لدحض من لا يعتقد أن الحب والشهوة مواضيع يجب ممارسة الرقابة الذاتية ضدها. وقامت بعمل جريء لتثبت أنها تختلف عن الآخرين واستطاعت تنفيس الأسطورة ان الشرف الجماعي وأخلاقيات الجماهير تعتمد كلها على شفة فتاة. فقد بينت لنا ان الشاشة العربية الصغيرة يمكن أن يتم تحديها من قبل رائدة يقدم لها الاحترام.

 

ولذلك وأكثر بكثير فإننا نقول بشكل كبير شكرا ل سلمى. وليس هذا فحسب بل أظهرت سلمى انها تستطيع التمثيل ببراعة وبصورة فاتنه أيضا.  ودورها الرئيسي تم دعمه من فريق جذاب من سلطان الخيل الذي يلعب دور ياسين وهو طالب مدرسة متعثر وصديق قديم لها والذي كانت أيامه متلقى التنمر والاضطهاد في المدرسة والبيت قريباً ان تنتهي وهو ينتقل من الخصم الى النصير لشخصية سلمى. هناك شخصيات كان لها إمكانيات ولكن هنا بدأ هبوط مسلسل جن للتوقعات التي تم رصدها والتي تحولت الى مشتقة لتحاكم اول اصدار عربي لنتفلكس.



 

القصة الحزينة لنص العربي

لما نضيع الورق عندما بإمكاننا ان نضيع فرصة ممتازة. كشخص تعمل بإنتاج مضمون عربي أستطيع أن أشهد ان ذلك يمثل سلوك العديد من العاملين في هذا الحقل.

 

ان تطوير النصوص هو تحدي كبير وشاق. تتطلب قدرات تقنية وابداعية في أن واحد. أي شخص يمكن ان ينقل قصة والبعض يستطيع كتابتها ولكن قليلون يستطيعوا حياكة حبكة درامية تضيء جوانب محددة من شخصية ما وفي نفس الوقت تضع ضل على شخصية أخرى سيتم كشفها في فترة متقدمة.

 

وفي النهاية فالبرنامج الجيد يستقطب أفضل القدرات لنقل خيال والتفاعل مع جمهور ذكي ومثقف وعاطفي في واقع يتم بناءه. هذا هو المطب الذي يقع فيه غالبية صناع الدراما العربية وهو نفس الأمر الذي ينطبق على مسلسل جن. ومن السهولة مشاهدة ذلك في ان ممثلين أقوياء مثل سلمى وسلطان والذين حاولوا جاهدين فهم الشخصيات الذي يمثلوها ولنقلها بحقيقتها تعثروا في إبقاء تلك الشخصيات على نفس الطريق دون إخراجهم عنها. والتعثرات التي سببها نص ركيك مليء بالثغرات والإعادات فقد قوة الدفع وسقط. ورغم وجود قدرات سينمائية واخراجية قوية فلا يمكن ان تغطي تلك على وجود نص ضعيف.

 

من الصعب معرفة أين خرج النص عن مساره ليقع في نفس المطب الذي يقع فيها غالبية الانتاجات العربية منذ عقود وهي بالأساس غياب نص مكتوب ومتماسك.

أن صانعي البرنامج مير جين بو شاي ويلان دساني ورجيف ديساني كلهم نجوم صاعدين تأثروا سلبا بوجود نص ضعيف ولم يعطوا مجال كافي لتطوير القصة من خلال التراث الغني للجن في منطقتنا. ورغم بساطة القصة وضعف عرضها الا ان "جن" يستكشف ثيمات بين المراهقين الذين تم تصويرهم على خلفية بترا الخلابة بصورة جميلة من خلال العديد من المخرجين بما فيهم المخرج الأردني امين مطالقة.

 

ورغم ان "جن" مسلسل عربي وتابع لنتفلكس الا ان الامر الجميل في الموضوع هو ان أساس المشروع أردني بامتياز. ولو كان للكاتب والمنتج الأردني باسل غندور والذي كان اسمه مرتبط في البداية مع "جن" كان قد كتب النص، فمن المؤكد انه كان سينقل بعض الاصالة والتناسق الأردني والتي سمحت لفيلم مثل "ديب" على سبيل المثال للتألق. وحسب ما يجري فيما يتعلق الإنتاجات الأردنية فقد حلقت في السماء الأردني والعالمي في أمثال أفلام مثل ديب والتي تم انتاجها بعرق وجهد مجموعة من الاخوات والاخوة الذين عملوا على دعم نجوم صاعدة مثل جورج داود وندين طوقان والذين كانوا الايادي الخفية في ورشة تعمل على إنتاج أردني اصيل. فمثل هذا التفاني والحب والالتزام في الوصول الى نص جيد هو أكبر ربط مفقود في هذا الإنتاج الأردني والذي كان له فرصة ذهبية لم يتم امساك بها.

وفي الساعات  الأولى لصدور مسلسل "جن" صدرت مجموعة من التعليقات عبر منصات التواصل الاجتماعي تهاجم المسلسل انه لا يمثل الأردن وتتهمه بانه خطير لدرجة دعوة البعض الى منعه. وهذا الرد فعل الأردني هو جزء من المشكلة ولذلك من الضرورة ان التغلب عليها وتعميق قدرة الأردنيين على نقل روايتهم الاصيلة ومن خلال ذلك وضع الأسس المطلوبة لصناعة محلية دائمة.

فاذا أرادت الأردن أن يكون لها مقعد دائم على المنصات الدولية يجب أن تكون هناك جرأة كافية لتطوير حوار حول "جن" وتوابعه لخلق أسس لصناعة سينمائية مستقلة وتقدمية تستطيع ان تقتحم الفضاءات الى ما هو أفضل.

 

إن هيئة الأفلام الملكية وهي المؤسسة التي تدعم نمو صناعة سينما وتلفزيون في الأردن لها الإمكانيات الكبيرة والقدرة على انتاجات هوليودية في الأردن وفي نفس الوقت دعم الإنتاج الأردني والعربي من أفلام ومسلسلات بما فيها "جن".

 

أصدرت هيئة الأفلام الملكية بيان يشمل عبارات قوية توضح دورها في المسلسل. وكذلك فان نتفلكس أصدرت بيان دعمت بدون خجل البرنامج وقالت انها لن تتأثر بالضغوطات لفرض رقابة أخلاقية على البرنامج وصانعيه. وقد ذكر الطرفان متابعيهم ان نتفلكس عضو في منصة إلكترونية وان من يشترك فيها له الحق بالانسحاب منها في أي وقت.

 

الوقت الحالي فرصة مهمة وفريدة للمضمون العربي وأنا فخورة أن الأردن في قلبه. مسلسل "جن" هو البداية ورغم ان البداية تعثرت قليلا إلا أن شجاعة وإصرار من هم خلف جن هم من يستطيعوا أن يطلقوا فرص للمنافسة ولخلق رؤية عربية منافسة وحديثه.

 

النص الأصلي باللغة الإنجليزية (هنا)