جريمتا الموازي والتمييز في الحد الأدنى للأجور

جريمتا الموازي والتمييز في الحد الأدنى للأجور
الرابط المختصر

مع اقتراب امتحانات التوجيهي وتخرّج طلابنا من الجامعات الموزّعة في كلّ مدينة أردنية تقريباً، يأتي السؤال المدوي: أين نحن ومخرجات التعليم؟ وكيف سنتعامل مع الخريجين الذين يلتحقون بطابور العاطلين عن العمل؟ وإلى متى يبقى خريجونا من دون أفق قريب للوظيفة التي درسوا من أجلها؟

زاد التحاق الخريجين من سائقي السيارات خاصة مع دخول التطبيقات الإلكترونية على الموبايل والتي توفر إمكانية عمل سائق خاص، وهي من الوظائف المؤقتة التي يعمل بها الطلاب حتى تتوفر فرصة العمل ضمن اختصاصاتهم.

مع التعديلات الجوهرية للتوجيهي التي يعمل عليها عمر الرزاز وزير التربية والتعليم يعود مجدداً السؤال المهم وهو: إلى أين نحن ذاهبون في مجال التعليم العالي؟ تفاءلنا خيراً في أيلول الماضي عندما أقرّت حكومة هاني الملقي الاستراتيجية الخاصة بالتعليم العالي لرفع مستواه وتوجيهه ليكون رديفاً لحاجات السوق وليس لرغبات رجال الأعمال المالكين للجامعات الربحية التي يجب أن تُضبط أكثر.

لكن الفرحة بإصلاح التعليم العالي سرعان ما تحوّلت الى شؤم عندما بدأت عملية التطبيق، خاصة عند الوصول إلى بند إلغاء التعليم الموازي. فالموازي لمن لا يعرف هو عملية ربحية تم إدخالها على سياسات قبول الجامعات في ثمانينيات القرن الماضي بحيث يُسمح لمن حصلوا على معدل أقل من المطلوب للتخصص الذي يرغبه الطالب بتعويض ذلك التفصير بدفع رسوم أعلى. الفكرة التي كانت آنذاك استثناء أصبحت هي والمكرمات، اليوم القاعدة التي يُقبل من خلالها غالبية الطلاب، رغم أن المكرمات لا تزال غير مؤثرة سلبياً لوجود منافسة قوية عليها وفق المعدّل العام.

مشروع الموازي بات وباء أضرّ بالعملية التعليمية بطريقة سلبية جداً، وأدى إلى انخفاض ملحوظ لكافة التخصصات وخاصة التخصصات العلمية المطلوبة مثل الطب والهندسة. والأمر اصبح واضحاً من خلال تفضيل أصحاب الشركات والمستشفيات الخاصة خريجي الدول الغربية والطلاب الذين أنهوا دراستهم في المدارس الخاصة.

عودة إلى الخطة الاستراتيجية، فبعد عدة أشهر من إقرار الحكومة للخطة جاءت ساعة التطبيق ورغم أن وزير التعليم العالي وجيه عويس قدّم خطة شاملة لكيفية تعويض خسارة الخزينة والجامعات الرسمية للدخل الموازي، والتي تُقدر بنحو 200 مليون دينار، إذ اقترح زيادة بسيطة على رسوم التخصصات الإنسانية التي تعتبر منخفضة جداً مقارنة بالتخصصات العلمية، إلا أن رئيس الوزراء الذي كان قد واجه العديد من الاحتجاجات على رفع أسعار الوقود وغيرها قرّر عدم المسّ بالموازي والاحتفاظ بدخله المغري  للجامعات الرسمية والخاصة حتى على حساب نسف خطة التعليم العالي.

قرار الاستمرار بجريمة الموازي - وهي جريمة كاملة الأركان لما لها من ضرر حقيقي على المجتمع- تمّ ترجمته بإقالة صاحب المشروع الاصلاحي وجيه عويس.

ضرورة إلغاء الموازي لا تقل أهمية عن ضرورة القيام بتغييرات أخرى في المنظومة التعليمية بهدف ملاءمة مخرجات التعليم مع حاجة سوق العمل والذي أصبح متخماً بخريجي تخصّصات إنسانية لا يوجد وظائف لها في حين يتم إغفال توجيه الطلبة الذين أنهوا الصف الثاني عشر نحو التعليم المهني.

يواجه التعليم المهني مشكلة من نوع أخر تتمثّل في التخبط في سوق العمل بسبب وجود عدد كبير من العمال الوافدين أو اللاجئين السوريين ورغم أن قوانين العمل توفر نفس الحقوق لكافة العاملين الأردنيين وغير الأردنيين إلا أن موضوع الحد الأدنى للأجور لا ينطبق سوى على الأردنيين. فللوهلة الأولى قد يعتقد المشرّع والحكومة أن تفضيل الأردني مفيد له، لكن ذلك يعد أيضاً جريمة حيث يفضّل المشغل وصاحب العمل، العامل الوافد أو السوري بسبب عدم تطبيق قانون الحد الأدنى عليه مما يقلّل من فرص عمل الأردني بدل أن يزيدها. جاء استثناء الأجانب من قانون الحد الأدنى من الرواتب خصيصاً لدعم أرباح رجال الأعمال والمستثمرين، لكن النظرة المعمقة للموضوع توضّح أن هذا التمييز لا يخدم مصلحة العامل الأردني، الذي يرفض العمل المهني بسبب تدني أجره وليس لتفشي ثقافة العيب كما يزعم البعض.

لا شك أن أي تغيير في موضوع الحد الأدنى بحاجة إلى توافق بين ثلاث فئات؛ المستثمر والحكومة والعمال والتمييز يجب أن يستند إلى زيادة التنافسية وتقليل الحاجة إلى العمالة الوافدة، وقد أثبتت فنادق الأردن وشركات الوقود أنها تستطيع الى رفع نسبة العاملين من الأردنيين فور توفّر رواتب معقولة لتلك الوظائف، لكن الأمر نفسه لا يزال متعثراً في مجالات أخرى.

لا يعقل أن يبقى مئات آلاف عاطلين عن العمل. لقد حان الوقت لقرارت جريئة في مجالي التعليم والعمل، وأهمها إلغاء جريمتي الموازي والتمييز في الحد الأدنى من الرواتب.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.