جدل الهوية الوطنية: قلق مشـروع وهواجس مرفوضة!
تتضمن منظومة الإصلاح السياسي في الأردن عدة محاور منها الانتخابات النيابية، والفصل بين السلطات، وتعزيز العمل الحزبي وتشكيل الحكومات البرلمانية، ومكافحة الفساد والتوزيع العادل لمكتسبات التنمية وغيرها من العناوين الإستراتيجية التي لا بد من الوصول إلى حلول وتوافقات وطنية واضحة بشأنها، ولكن كل هذه العناوين في الإصلاح السياسي قد لا تتمكن من إحداث النقلة النوعية المنشودة نحو المستقبل دون معالجة الجدل القديم والشائك في الأردن حول الهوية الوطنية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
جدل الهوية الوطنية هو بمثابة «البعبع» الذي نخشى من الحديث عنه والوصول إلى توافق بشأنه، ولذلك ينسحب اصحاب المصداقية والطروحات المتوازنة من ساحة الحوار لعلمهم بأن مثل هذا النقاش لن يجلب سوى «وجع الرأس» ولكن النتيجة تكون في ترك الساحة لوجهات نظر متطرفة وتعبوية وحادة قد تتضمن أحيانا الإهانات الجماعية للناس تحت مبررات الدفاع عن حقوق البعض الآخر.
من الضروري القول أنه وفي مناخ الحرية الإعلامية والسياسية الذي نشهده حاليا والذي يتم في سياقه بناء الدولة الأردنية الجديدة دستوريا وسياسيا لا بد من مواجهة هذا الجدل والتوصل إلى توافق ولو مرحلي حول الأسس المشتركة للتعاون وحقوق المواطنة.
عزل الأصوات والمواقف المتطرفة لن يحدث إلا في حال توصل العقلاء إلى الأجوبة المطلوبة للتساؤلات الساخنة في سياق الهوية الوطنية. بعض هذه التساؤلات يستند إلى قلق مشروع وحقيقي لا بد من التعامل معه بشفافية، وبعضها الآخر يتغذى من هواجس وشحن عاطفي وإقليمي لا بد من إزاحته عن ساحة الحوار وكشف عيوبه. وفي حال تمكنا من التوصل إلى توافق حول مواجهة القلق المشروع يمكن لنا عزل الهواجس المتطرفة.
تشعر نسبة كبيرة من المواطنين الأردنيين بأن هنالك خطرا محدقا بمستقبل الدولة يتمثل في إمكانية لجوء أطراف دولية وإقليمية إلى مؤامرة الوطن البديل لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في الأردن. بعض الطروحات من هذا المعسكر تحاول إلصاق تهم مبالغ بها تجاه شخصيات سياسية أردنية تقوم بدعم طروحات المساواة في الحقوق الواجبات والدعوة إلى دولة المواطنة التامة .
لا يمكن في القرن الحادي والعشرين استمرار هذه السحابة من الشك على رؤوس الناس ويجب حسمة قضايا المواطنة نهائيا لا من خلال تصريحات سياسية مطمئنة . لا نريد هنا ايضا أن نتحدث بالتفصيل عن مدى تأثير تلك الممارسات على الاستقرار الاقتصادي وعلى تدفق الاستثمارات خاصة من المواطنين الأردنيين المغتربين في الخارج والذين أحيانا لا يحسون بالأمان في حال جلبوا استثماراتهم إلى الأردن.
آخر ما نحتاج إليه في هذه القضية استفزاز الناس بطروحات متطرفة ومهينة ومتشككة وتصنيفهم حسب الأصول والمنابت، بل نحتاج إلى حوار يشارك فيه كافة الشخصيات السياسية والاقتصادية من أصحاب المصداقية لتقديم رؤى واقعية لحل هذه المعضلة ضمن إطار الإصلاح السياسي الداخلي ورفض اية محاولات داخلية أو خارجية لري بذور الفتنة الموجودة وبكل اسف في مساحات لا يستهان بها في بلدنا!.