ثقة ومقايضات وكلام في الهوا!
لا جدال بأن حكومة سمير الرفاعي ستنال ثقة مجلس النواب، وربما وهذا غير مستبعد، أن يحطم الرفاعي الرقم القياسي بأعلى الأصوات التي تحصدها حكومة في عهد الملك عبدالله الثاني.
لم تواجه أي حكومة خلال أكثر من عشرين عاماً من عمر الحياة الديمقراطية والبرلمانية تحديا حقيقيا في اجتياز اختبار الثقة البرلمانية باستثناء حكومة عبدالسلام المجالي التي لم تحصل إلا على 41 صوتاً من أصل عضوية 80 نائباً.
وفي التفاصيل فإنه يسجل للرئيس المجالي أنه رفض مقايضة الثقة بحكومته مع النواب، ولولا تدخل المغفور له جلالة الملك الحسين لمساندة الحكومة لكان هناك احتمال كبير في فشلها بنيل الثقة.
القصة الطريفة التي يرويها نواب من كتلة التجمع الديمقراطي النيابي عن قصة أيام الثقة بحكومة المجالي أن الأمير زيد بن شاكر رحمه الله وكان رئيساً للديوان الملكي آنذاك طلب من نواب التجمع لقاء الملك الحسين على إفطار صباحي، لأنه كان يعلم أن هناك نية مبيتة عندهم لحجب الثقة عن الحكومة، خلال اللقاء تحدث الملك عن الصعوبات والتحديات التي تواجه الأردن وتمنى على النواب مساندة الحكومة لتمضي هذه المرحلة الصعبة، بعد اللقاء احتار نواب التجمع بما سيفعلونه فقرروا تقاسم الأدوار، فالأغلبية منحت الثقة ومنهم من حجب، ومنهم من امتنع عن التصويت فمرت الحكومة بصعوبة بالغة.
خلال حكومات عهد الملك عبدالله الثاني وفي سبع محطات لاختبار الثقة لم يحجب سوى 131 نائباً ثقتهم عن الحكومة وبما يوازي 18.5 %، ولم يمتنع عن التصويت سوى 14 نائباً، في حين تغيب عن التصويت 6 نواب، وهو ما يؤشر على أن كل خطابات النقد والتنديد بالحكومة كلام في الهواء وغزل أمام كاميرات التلفزيون ومحاولة لاجتذاب الشعبية.
لا أتوقع للبرلمان الحالي الذي شهد صراعات قوية لتشكيل الكتل البرلمانية أن يغير الصورة النمطية لجلسات الثقة بالحكومة، فالعمل الكتلوي لم يمنع النواب من إلقاء خطبهم، فأصبح هناك خطاب للكتلة وخطاب للنواب وأحياناً لا نجد قواسم مشتركة بينهما.
أكبر مصيبة كانت في كل جولات الثقة بالحكومات السابقة من قبل النواب، أنها كانت تستغل للمقايضات ولتمرير المصالح الشخصية من تحت الطاولة، والأهم أن الحكومات ومن أجل الحصول على ثقة غير مسبوقة كانت تتجاوب مع ضغوط النواب وتشتري أصواتهم، وهو نمط العلاقة الذي حذر منه جلالة الملك عبدالله عند حل البرلمان السابق.
الامتحان الحقيقي لحكومة الرفاعي هو في آليات التعامل مع الضغوط البرلمانية، فهناك كتل برلمانية والعديد من النواب ربطوا الثقة بالحكومة بتحقيق جملة مطالبات واشتراطات؛ فماذا ستفعل الحكومة، هل ستعدهم في ردها بالتجاوب مع مطالبهم، أم ستكون واضحة لتعلن رفضها مع ما لا يتسق مع برنامجها وتنفذ ما تعتقد أنه صواب يجب الامتثال له حتى لو أفقدها بعض أصوات الثقة؟!.
بازار الثقة فرصة لاكتشاف طريقة تفكير النواب، وفرصة لاستعراض القوة أمام الحكومة، ومهمة أساسية لمعرفة إن كان العمل البرلماني في الأردن يمكن أن يتجه إلى طريقة أكثر مؤسسية، والأهم أنها مؤشر واضح إن كنا نستطيع المضي في طريق بناء الديمقراطية والإصلاح، وقد أحسن الزميل النائب جميل النمري حين قال "إننا لم نتقدم إنشاً واحداً في مسيرة الإصلاح"، وبالتأكيد فإن البرلمانات المتعاقبة تتحمل مسؤولية ما وصلنا له من تراجع للواقع الديمقراطي بكل أشكاله .. فماذا أنتم فاعلون؟!.
الغد