ثقافة الفساد وفساد الثقافة!

ثقافة الفساد وفساد الثقافة!
الرابط المختصر

إذا كان من ثقافة تنتشر الآن بين شبابنا فهذه الثقافة إنَّما هي ثقافة "لا للشقاء المعرفي", فلماذا نُضَيِّع الوقت والجهد في البحث عن سبب هذا الذي حَدَثَ لنا, وكيف حَدَثَ, فَلْنَدَع "المعرفة" بما تُسَبِّبَه لنا من شقاء, ولنبدأ "الحياة", التي يريدون لشبابنا أن يحيوها.. حياةٌ نرى بعضاً من وجوهها وملامحها في "أفكار", و"مبادئ", و"قيم", من قبيل: البشر سيظلُّون دائما مُؤلَّفين من فقراء وأغنياء; الفقر والغنى دائمان خالدان, وهما جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية التي لا يمكن أبدا تغييرها; الفساد يمكن ويجب أن نكافحه; لكن لا يمكننا أبداً أن نقضي عليه قضاءً مبرماً; لأنَّه سرمدي كمَصْدَرِه وهو طبيعة النفس البشرية; وينبغي لكلٍّ مِنَّا, من ثمَّ, أن يمتنع عن تعليل نفسه بوهم جَعْل النفس الأمَّارة بالسوء غير أمَّارة به; لا خلاص إلا الخلاص الفردي, فاسعَ فيه, وإيَّاكَ أن تسعى في الخلاص الجماعي; مجتمعكَ إنَّما هو (في ماضيه وحاضره ومستقبله) غابة ذئاب, فكُنْ ذئبا حتى لا تأكلكَ الذئاب, فإنْ لم تَقْتُلَ تُقْتَل, وإنْ لم تَسْرِق تُسْرَق, وإنْ لم تُجوِّع غيركَ تجوع; اسْعَ في خطب ودِّ رئيسكَ, وولي نعمتكَ, ولو بما يعود بالضرر على رفاقِك; داهِن ذوي السلطان, وجاهِد في سبيل الفوز برضاهم, فقد تصبح مثلهم; إمَّا أن تعمل لمصلحة غيركَ وإمَّا أن يعمل غيركَ لمصلحتكَ; إمَّا أن تكون عبدا وإمَّا أن تكون مالكا للعبيد; إذا كان لديكَ قمح فلا تَبِعْهُ كله.. ادَّخر بعضا منه (فهذا "قِرْشٌ أبيض" يفيد في "اليوم الأسود") فقد يجوع الناس, فتبيعُ ما ادَّخَرْت, عندئذٍ, بثمن باهظ; ادْعُ إلى الأمانة والاستقامة حتى يَسْهُلَ عليكَ سرقة مَنْ تحلَّى بتلك الفضيلة; ادْعُ إلى الصِدْق حتى يُصِدِّق الصادق كذبكَ.

هذا غيض من فيض السموم الفكرية والأخلاقية التي تنتشر في عقول ونفوس شبابنا, وتُصَوَّر على أنَّها "الحِكَم" التي لا يستنكف عن الأخذ بها, والعمل بمقتضاها, إلا كل أخرق عديم الطموح, ارتضى العيش ابد الدهر بين الحُفَر.

كل تلك الأفكار إنَّما يرضعها عقل الطفل وهو يرضع ثدي أمِّه. إنَّها "الرضاعة الفكرية", التي تَخْلِق بشرا يتخلَّقون بأخلاق العبد أو أخلاق مالك العبيد.

إنَّهم لا ينكرون "الفساد" في المجتمع, ولا حتى استفحاله; لكنَّهم, وعملا بمصالحهم الفئوية الضيَّقة التي فيها يَضْرِب الفساد جذوره عميقاً, لا يفسِّرونه إلا بما يجعله في بروج مشيَّدة, فلا يدركه الموت. يفسِّرونه بما يجعلك تعتقد وتؤمن بأنَّ فساد المجتمع من فساد أفراده, فالمجتمع فاسِد; لأنَّ أفراده, أو بعضاً منهم, فاسدون, وكأنَّ الفرد هو الذي يخلق المجتمع على مثاله الخُلقي!

و"الإصلاح" يجب أن يبدأ بإصلاح روح الفرد, وبالسيطرة على نفس الإنسان الأمَّارة بالسوء والفساد; فإذا نحن أصْلَحْنا المجتمع, فردا فردا, ب¯ "العظات الأخلاقية", صَلُح المجتمع, وصَلُحَت مؤسساته, فالتغيير, إذا كان لا مفرَّ منه, لا يبدأ ب¯ "المجتمع نفسه"; لأنَّ المجتمع ليس سوى "الحاصل من جمع أفراده"! 

إنَّ الدعوة إلى "الإصلاح الأخلاقي" لا تفيد إلاَّ في شيء واحد هو إظهار وتأكيد أنَّ أصحابها لا يريدون إصلاحاً حقيقياً للمجتمع, فليس "الشر الكامن" في الإنسان هو الذي يُفْسِد "مؤسسات المجتمع" حتى نبدأ إصلاح المجتمع ب¯ "الإصلاح الأخلاقي" لأفراده; فالإنسان لا "يُوْلَد" فاسِدا; إنَّما "يصبح" فاسدا; ومؤسسات المجتمع, التي تديرها وتتحكم فيها مصالح فئوية ضيقة يَعْبُد أصحابها "إله الفساد" سرَّاً, هي التي تُفْسِد الإنسان, وتجعله شريرا, فالإنسان, في طبيعته, ليس بملاك, وليس بشيطان, فهو ثمرة المجتمع ومؤسساته, فإمَّا أن يصبح الثمرة الطيبة, وإمَّا أن يصبح الثمرة السيئة.

العرب اليوم