تونس؛ الشرطة واللصوص

تونس؛ الشرطة واللصوص
الرابط المختصر

 

 

تحليلاتٌ كثيرة توقعت عودة التونسيين إلى الشارع بعد فشل ثورتهم، التي انطلقت قبل خمس سنوات، لكن يبدو مستغرباً تحويل الهبة الشعبية إلى أعمال سلبٍ ونهبٍ خلال أيام معدودة من اندلاعها، رغم أن نظامهم الحالي هو امتداد أكثر ضعفاً وهشاشة للنظام السابق!

 

خرج الرئيس التونسي يتهدد ويتوعد شعبه من احتمالية أن تستغل الحراك عناصر تنتمي إلى داعش، الذي ينشط في الجوار الليبي، أو إلى تنظيمات إسلامية محظورة داخل تونس، وهو خطاب تستخدمه جميع الأنظمة العربية؛ من تبدّل منها، ومن استمر وسط حروب أهلية، وحتى تلك التي لم تواجه انتفاضات إلى اليوم.

 

الخطاب القديم المتهالك لم تكرره السلطات وحدها، إنما اشتركت فيه القوى الجديدة التي انضمت إلى نادي الحكْم، وكان أبرزها تصريحات حركة النهضة (الإخوان المسلمين) التي أفتت بعدم جدوى اللجوء إلى الشارع، وبأن "التحول" الذي أراده الشعب قد حصل، ويجب انتظار أن تحل أزمات البلاد والعباد عبر العملية السياسية، بينما تبنّت  الحركة نقيض هذا الموقف حين أرادت ركوب موجة المظاهرات في كانون الأول 2010.

 

الإعلام العربي لم يتحمس هذه المرة لغضب التوانسة، وحاولت معظم التقارير المتلفزة ومانشيتات الصحافة إدعاء العقلانية، وإظهار جوانب متعددة للحدث الدائر، خلافاً لما عوّدت عليه مشاهديها خلال الأعوام الماضية من خلال تأييدها المطلق للثورات، ثم دخولنا مرحلة انحياز كل فضائية لأحد المعسكرات المتقاتلة في المنطقة.

 

ويجب التذكير هنا أن الائتلاف الحاكم في تونس أبدى انسجاماً في التعامل مع أحداث القصرين، ربما لأن الرعاة الإقليميين لهذه التوليفة البالية -التي جمعت نظاماً أمنياً ساقطاً بقوى إسلامية ماضوية- لم يشاؤوا حتى اللحظة تغييرها، بل يجري تدبيج المقالات والتعليقات التي تمتدح صيغة التحالف هذه وتعتبرها إنجازاً عربياً فريداً من نوعه مقارنة بالاقتتال الأهلي في بلدان لم تصل بعد المحاور المتصارعة  فيها إلى تسوية على الطريقة التونسية.

 

"تسوية" لا تلزم مموليها إلاّ تأمين رواتب حكومة فاسدة تعيش على الأمن ورغبات باجتذاب استثمارات لن تحقق التنمية مطلقاً، وقد يتكلفون أضعافاً مضاعفة إذا انفرط عقد التسويات من دون أن يقودهم ذلك إلى دعم تغيير جذري يفقد تمويلهم معناه.

 

استطاع الأمن التونسي أن يهزم اللصوص ومهربي السلاح والمخدرات وقوى متطرفة سطت فجأة على الشارع، كما أعلنت وسائل الإعلام، وجرى استثمار الديمقراطية في اتجاه وحيد يصب في حسابات الانتخابات المقبلة لمجموعة أحزاب وقوى سياسية بدأت بيْع أوهام إنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل.

 

ولن يُفتح، بالتأكيد، تحقيق مستقل ونزيه يكشف الأسباب التي أدت إلى مقتل وجرح رجال أمن ومواطنين، طالما لم يوجد من يشكك بالرواية الرسمية التي توافق عليها الداخل والخارج.

 

إن أبشع ما نتعرض إليه في دولنا العربية هو الإذعان إلى تجديد منظومة متخلفة ومنتهية الأجل في جميع بنى السلطة؛ حكومات ومعارضات واقتصاديات وسلوكيات وقيم اجتماعية، والأسوأ قبولنا بنسخ أكثر إسفافاً وانحطاطاً.

 

وعلينا ألا ننسى أن عملية التجديد هذه تطلبت وقوع مئات آلاف القتلى وملايين الجرحى وأمثالهم من اللاجئين والمهاجرين، وتثبيت الانقسام الطائفي والمذهبي والعشائري، والتعمية على كل أسباب الانهيار بـ"فائض" من الوطنية ودعوى الحفاظ على أمن "الأوطان" واستقرارها!

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.