تنفيس "الثورة" عبر إضحاك الثوّار

تنفيس "الثورة" عبر إضحاك الثوّار
الرابط المختصر

من أهم التعريفات العملية التي يقاس عليها نجاح ثورة ما ضد أنظمة الظلم والبطش الأمني والسياسي أن لا يسقط مواطن واحد قتيلا بيد الأجهزة الأمنية بعد ذلك، خلال المسيرات والمظاهرات الاحتجاجيةـ مهما كان مبررها.

أمس وأول أمس قتل الأمن المصري والتونسي أربعة مواطنين، أولهما مصري اعترض على أسلوب ضابط شرطة في الحديث معه، فما كان من الأخير إلا وأنْ وضع مسدسه على رأس (المصري) وأطلق النار.. هكذا بدم بارد. فيما القتلى الثلاثة الآخرون هم تونسيين سقطوا يوم أمس خلال احتجاجات شباب الثورة التونسية على بقاء حكم أزلام النظام السابق.

هل أخطأ القتيل المصري عندما ظن أن الأمور اختلفت بالفعل بعد الثورة؟

من الواضح أن النظامين "التونسي والمصري" اللذين تخلصت الشعوب من رأسيها ما زالا يتنفسا، ومن دون أية صعوبات، أو إنهما ببساطة يحاولان وبشكل مستميت أن يعيشا .. ويبدو أن الأنظمة تعيش من دون رأسها إلى حين إنبات رؤوسا جديدة لها..

في بلاد ديمقراطية يكفي حالة الضابط المصري ليطيح بحكومة وإدارات أمن، تنشغل فيه الأمة أياما طويلة حتى تؤرخ فيه. فكيف إذا سقط ثلاثة؟.

إن التسويف والبطء الشديدين في تنفيذ مطالب الثورتان في مصر أو تونس أدوات للالتفاف على الثورة، أو أنهما سياسة منظمة للانقلاب على الثورة بذات أدوات الثورة نفسها "الانقلاب من دون عنف".

هناك عشرات المعطيات التي تشعر المراقب بالقلق إزاء ما يجري في مصر وتونس. وفي حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فربما تتحول الثورتان إلى دروس وعبر لثورات مستقبلية ناجحة.

ببطء وبطريقة سلمية، كما ثورة الشعوب السلمية يمضي النظامين المصري والتونسي في ترتيب أوراقهما الجديدة وعبر إسقاط الأوراق البالية فيهما كَكِباش فداء. هذا ما حصل في النظام المصري للحبيب العادلي وبعض الرموز في النظام التونسي، بل وليس هناك ما يمنع من توزيع بعض مشاهد الهواتف النقالة على "الفيسبوك" لسجناء يسخرون من رجال كانوا قبل فترة وجيزة أنصاف آلهة، من أجل تنفيس "الثورة"، عبر إضحاك الثوّار.

يخطئ الثوّار لو ظنوا أنه من الصعب الانقضاض على ثورتهم، ومن النظام نفسه بعد أن يخلع جلده السابق، ويرتدي حلة جديدة، عبر وجوه وخطاب جديدين، تنسجمان مع المرحلة المؤقتة، ولاحقا لكل حادثة حديث.

إن قيام الضابط المصري بإطلاق النار على مواطنه لأنه (لم يبجله كفاية كما كان يفعل سابقا)، لشاهد مهم على الاعتقاد السائد في جهاز الأمن المصري انه لا شيء تغير، وأنه إذا ما راح الرئيس المخلوع حسني مبارك، فإن هناك بنك من (الطغاة الصغار الذي يمكن تسمينهم على مهل).

إن خلف يد الضابط الأمني عبارة تقول: (لا شيء تغير.. وسنبقى نقتلكم لأتفه الأسباب).

ولكن ما الذي يجري؟ إن ثورة بحجم الثورة المصرية لا طاقة لأحد مهما طغى على الوقوف أمامها، فكيف يمكن فهم ما فعله الضابط وكيف يمكن فهم سقوط قتلى في تونس في مظاهرة ضد حكومة يفترض أنها مؤقتة.

السؤال الذي يدور في ذهن كل عربي اليوم هو: ماذا تفعل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم كإجراءات ارتدادية مقابلة للثورتين المصرية والتونسية. هل يمكن أن تصدقون أن واشنطن تركت الثورتين هكذا .. مع من تتحدث اليوم.. من تسند اليوم؟

لست من الذين يخافون من فزاعة الاتهام بـ (العقلية التآمرية) التي يخوّفونا بها منذ سنين. لهذا اسأل: يا إلهي .. ما الذي يفعله النظامين المصري والتونسي حتى الآن رغم سقوط رأسيهما!

أضف تعليقك