تقرير حقوق الإنسان الذي يراعي"الخصوصية الأردنية"!
نقترح على وزارة التنمية السياسية وفي سياق تصريحاتها المنتقدة لتقرير مؤسسة "فريدوم هاوس" الذي صنف الأردن دولة غير حرة، واعتبارها بأن التقرير لم يراع "الخصوصية الأردنية" في معاييره البحثية، نقترح أن تقدم الوزارة لفريدوم هاوس وكافة منظمات حقوق الإنسان في العالم ورقة مرجعية واضحة تحدد ماهية الخصوصية الأردنية وكيف يمكن أن تقاس رقميا وما هي المؤشرات العلمية الدالة عليها وكيف يمكن أن ترتبط مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان حتى يتم استخدامها من قبل المنظمات الدولية التي ترتكب الخطأ العلمي الفادح في تقييم كافة دول العالم بناء على مرجعية واحدة مستندة إلى المعايير الدولية.
هذا الأمر قد يكون مفيدا لكافة دول العالم حيث يمكن بعد ذلك تقديم أوراق مرجعية أخرى حول الخصوصية البرازيلية والكوستاريكية والموزمبيقية والسويسرية والصينية والهندية وغيرها من الخصوصيات التي تدخل فورا في مؤشرات حقوق الإنسان العالمية.
وحتى يحدث ذلك، يمكن أن تستفيد وزارة التنمية السياسية وكافة مؤسسات الدولة من نتائج وتوصيات تقرير حقوق الإنسان في الأردن 2009 والذي أصدره مؤخرا المركز الوطني لحقوق الإنسان والذي اثبت مرة أخرى مدى التزام المركز بمبادئ ومعايير حقوق الإنسان والاستقلالية البحثية من خلال تقديمه لعرض منصف وشجاع وواقعي وغير مجامل لواقع حقوق الإنسان في الأردن مع مراعاة الخصوصية الأردنية بما أن هذا المركز موجود داخل الأردن ويعي تماما السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الداخلي.
ربما يركز الإعلام دائما على الحقوق السياسية والمدنية ولكن يقدم المركز أيضا عرضا تفصيليا مهما للحقوق الاقتصادية والتنموية والثقافية التي تشكل جزءا اساسيا من منظومة حقوق الإنسان، ولكن الأهم من ذلك أن التقرير يضع أمام صناع الرأي في الأردن حقائق مزعجة وصريحة حول التهاون وعدم الجدية في التعامل مع توصيات التقارير السابقة وهذا مؤشر على عدم وجود جدية فعلية، توازي الخطاب الإعلامي حول حقوق الإنسان في الأردن.
بلغ عدد التوصيات التي لم تتخذ الحكومة أي إجراء بصددها 249 توصية من أصل 289، أي ما نسبته (85.2%) من مجمل التوصيات بينما بلغ عدد التوصيات التي تم تنفيذها كلياً أو جزئياً (40) توصية، أي ما نسبته (14.8%) من مجمل التوصيات، وقد بلغ عدد التوصيات التي نفذت كلياً (11) توصية فقط، أي ما نسبته (3.8%) من مجمل التوصيات وهي نسبة متواضعة جداً. وما يسترعي الانتباه أن الحكومة لا تكلف نفسها حتى بالرد على تقارير المركز وتوصياته إلا فيما ندر. وحسب التقرير فإن أعلى نسبة لتنفيذ التوصيات جاءت فيما يتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بينما بلغت نسبة تنفيذ التوصيات الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية 10.7% مقابل نسبة لا تتجاوز 6.37 للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل اساس نوعية الحياة.
يصل التقرير الوطني في النهاية إلى استنتاج مثير للإحباط، مفاده أن هنالك نمطا من قبل الحكومة في عدم اخذ توصيات المركز على محمل الجد، ويستدل على ذلك أيضاً من عدم رد الحكومة على ما يرد في تقارير المركز، حيث ورد للمركز ردان فقط من الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية حول تقريره لعام 2008، أحدهما عدائي واضح، والآخر يعبر عن حسن نية ورغبة في الأخذ بما ورد في تقرير المركز. وإذا ما أخذ المركز بعين الاعتبار أن تنفيذ الحكومة لتوصياته يتناسب عكسياً مع أهمية التوصية، فإن هذا الأمر يشكل معضلة حقيقية تستدعي مراجعة شاملة لاستراتيجيات عمل المركز مع الحكومة وقواعد الاشتباك معها، خاصة في ضوء توجه الحكومة للاهتمام الكبير بالتقارير الدولية التي غالباً ما تستند في جزء لا بأس فيه منها على ما أورده المركز من توصيات وتحليلات في تقاريره السنوية والمتخصصة.
في التحليل النهائي، ربما يكون من الأسهل اتهام التقارير الاجنبية بعدم مراعاة "الخصوصية الأردنية" واعتمادها على "صرر من الأموال والأعطيات للباحثين" وبالتالي تشويه مصداقيتها بدلا من الالتزام الجدي بتطبيق توصيات التقرير الوطني الذي لا يستطيع أحد اتهامه بالأجندات الخارجية ولا عدم مراعاة "الخصوصية الأردنية" أيا كان معنى هذا المصطلح!