"تعب المشوار"!

"تعب المشوار"!
الرابط المختصر

تعيد الجلسة النيابية العاصفة (أول من أمس)، طرح السؤال عن مصير حكومة د. عبدالله النسور، مرّة أخرى، مع تجدّد المساعي الحثيثة لخصوم الرئيس في المجلس لإطاحته، ما أسفر عن توقيع مذكّرة نيابية من ستين نائبا، تطلب طرح الثقة بالحكومة.

بعض المراقبين يرون أنّ هذه الوثيقة بمثابة رسالة على قرب رحيل الحكومة، كما حدث مع حكومات سابقة.

لكن يبدو هذا الاستنتاج غير دقيق؛ إذ إنّ العلاقة بين الحكومة والبرلمان الحالي استمرت متوترة، لأسباب شخصية وسياسية متعددة، ولم توفّر الشخصيات النيابية المخضرمة فرصة إلاّ عملت من خلالها على الإطاحة بالرئيس.

حتى في لقاءاتها مع الملك، كانت تنهال بالشكاوى من الحكومة، وتتهمها بعدم قدرتها على إدارة دفّة الأمور؛ أي أنّ مذكّرة طرح الثقة هي جزء من السياق الحالي للعلاقة بين السلطتين، وليس العكس.

مع ذلك، فإنّ استمرار العلاقة المتوترة وروح المناكفة من مجلس النواب تجاه الحكومة، يضعف فرصها في البقاء والاستمرار، ويدفع بمطبخ القرار إلى التفكير في بدائل أخرى للخروج من هذه الحالة التي تعيق وتعرقل التشريعات والسياسات والقرارات المطلوبة، تحت وطأة وجود لوبي نيابي (وهو للمفارقة محسوب على التيار المحافظ، وأقرب إلى أروقة الدولة تقليدياً) معادٍ للرئيس شخصياً، ويجعل من رحيله هدفاً رئيساً له.

في المقابل، ما تزال الظروف والاستحقاقات الداخلية تخدم سيناريو بقاء الرئيس، في الحدّ الأدنى خلال الأشهر المقبلة.

إذ تشي المؤشّرات القادمة من أوساط القرار بأنّ الخيار الأفضل يتمثل في بقاء الحكومة، وإجراء الرئيس لتعديل حكومي طال انتظاره، تجنّباً للدخول مرّة أخرى في متاهات اختيار رئيس وزراء جديد، في ظل التعقيدات الجديدة من مشاورة الكتل النيابية وإعادة طرح موضوع الحكومة النيابية، وفتح شهية النواب لتولّي حقائب وزارية.

يعزّز هذه المؤشرات والرغبة في بقاء الحكومة الحالية، قرب موعد الانتخابات البلدية في آب (أغسطس) المقبل، ما يرجّح بقوة استمرار الحكومة إلى حين انعقاد الدورة العادية لمجلس النواب، في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إذا لم تتأجل إلى موعد لاحق، بما يمنح الحكومة عملياً مزيداً من العمر إلى نهاية العام الحالي تقريباً.

إذا استمرت الحكومة خلال الأشهر الأربعة المقبلة، فمن المفروض أن يعجّل الرئيس في إجراء التعديل الوزاري الذي بات أولوية مطلقة، مع التكوين المشوّه الحالي للحكومة، بحمل الوزراء لأكثر من حقيبة وزارية،

بعضها على درجة كبيرة من الأهمية، ما يعطّل جزءاً رئيساً من الماكنة الحكومية المطلوبة، وتحديداً على الصعيد الداخلي.في وقت سابق، كانت القناعة المتداولة في الأوساط الإعلامية والسياسية بأنّ الرئيس لم يحصل على "ضوء أخضر" بالتعديل، فيما تؤكّد مصادر رفيعة المستوى بأنّ "الكرة اليوم في ملعب الرئيس" لإجراء التغييرات المطلوبة، بخروج بعض الأسماء ودخول أخرى لتقوية الفريق السياسي المهلهل أصلاً. ويشير وزراء

إلى أنّ السبب المحتمل لتأخر التعديل يكمن في تأجيله إلى ما بعد الانتخابات البلدية، لارتباط بعض الحقائب بذلك من جهة، وللرغبة في إجرائه بعد انقضاء الدورة البرلمانية الحالية تجنّباً لضغوط شديدة على الرئيس في هذا الشأن.

برغم أنّ علامات "ساعة الحكومة" لم تبرز بعد بصورة جليّة، وما تزال الحسابات الداخلية تخدمها؛ إلاّ أنّ ما قد يطرح سيناريو رحيلها هي تلك السلبية التي يبدو عليها المشهد الحكومي اليوم، وكأنّها دخلت في لحظة سبات سياسي عميق، وتفتقد إلى التفكير في مبادرات خلّاقة، وتستسلم للعمل الروتيني اليومي، ومصابة بحالة من الإرهاق الشديد والإعياء والتعب.

وهذه الحالة بمثابة إشعار من الحكومة نفسها بأنّها وصلت إلى نهاية المشوار، ولا تمتلك الحيوية المطلوبة لاستكمال الطريق!