تصريح سفر عمره اربعين عاما
قال الصديق العزيز وقد تملكه الغضب والشعور بعدم العدالة، قال الكثير وكانه يحاول ان ينفس عن غضبه باحثا عن منصفا له، ومن ضمن ما قاله في عاصفة غضب: هل يعقل ان يبقى المقدسي الوحيد في معادلة الصراع العربي الاسرائيلي الذي يدفع ثمن واقع يجب ان يتغير؟! لم افهم قصده فسالته: ماذا تعنى بكلامك هذا وانت تعرف ان المقدسي هو الذي يدفع ثمن اخطاء الغير واخطاءه نفسه؟! فقال: ما اقصده هو التكاليف العالية جدا التي يدفعها المقدسي كلما حاول العبور الى ضفة القلب الشرقية، واقصد بالتحديد قصة التصريح الذي يكلف المقدسي اكثر من 370 شيكل في كل مرة ، ناهيك عن التكاليف الاخرى، وتخيل كم ستكون تكلفة السفر لعائلة مكونه من خمسة افراد !! سال الصديق هذا السؤال وتوقف عن الكلام وكانه اراد ان يلتقط انفاسه المتسارعه ،او كأنه يحاول جمع افكاره المتبعثرة هنا وهناك لكثرته!!
ان قصة تصريح المرور عبر جسر الملك حسين التي تم تطبيقه منذ حرب عام سبعة وستين وحتى يومنا هذا ، هي نفس القصة التي كانت وستبقى الشغل الشاغل لجميع المقدسين بلا استثناء خاصة وان سعره في ارتفاع مستمر وبشكل مضطرد، اجبرت الكثيرين من المقسين على الغاء فكرة السفر لزيارة الاهل او للعلاج بسبب تكاليف السعر العالي والتي لا يجب ان تكون كذلك !! صديقي الصحفي داود كتاب كان اول من اثار هذه القضية بصورة عامة وبشكل خاص مع المسوؤلين الاردنين والاسرائيلين والفلسطينين وفي كل مرة كان يحصل على اجابات لا تشفى غليله، ولا تفى بالغرض، فالاسرائيليون يقولون انه لا مانع لديهم من السماح للمقدسين بالسفر باستخدام وثيقة السفر وان المشكلة هي ان الجانب الاردني يرفض ذلك ، وهذا ما ينفيه الجانب الاردني الذي يؤكد ان اسرائيل هي المسوؤلة عن هذا الوضع وان ما يهم الاردن هو عدم تفريغ المدينة من اهلها ! وفي هذا الوضع فان الشعور بالشارع المقدسي هو ان الجميع مرتاح للوضع القائم، وطالما انه لا احد يشتكى! ووجه نظرهم هو انه طالما ان المقدسي المغلوب على امره صامت وساكت ويتحمل بهدوء المظلوم فهذا يعنى انه راضي ، واذا همس بصوت عالى فان هذا يبقى همسا وليس صراخا او مطالبة شعبية رسمية، ربما لان المقدسين لديه قناعه بانه لوحده في الساحة فهو يخشى ان ياخذ زمام المبادرة في طرح قضاياه بصوت عالي خشية ان تقع على راسه كما يقال بالعامية !! هذا الوضع اراح الكثيرين وادخلهم في سبات عميق!
ولكن وبعد ان تغيرت الاحوال وتحولت الاوضاع، الم يحن الوضع بان يقوم من يجب ان يقوم باعادة النظر في موضوع التصريح الذي فرض قبل اكثر من اربعين سنة خلالها تم توقيع اتفاق سلام مع الاردن والتي لم تعد دولة عدو بالنسبة للقانون الاسرائيلي، كم ان الوضع في الضفة الغربية قد تغير ايضا، فهناك سلطة وطنية فلسطينية ، كل هذا التغيرات تجعل من المنطقي ان يتم اعادة النظر في هذا الصريح وبتكلفته غير المنطقية !! اوان يتم استبداله بشئ اخر على غرار وثيقة السفر المعروفة باسم " السيه بسيه" والتي تمكن المقدسين من السفر اكثر من مرة الى عمان ذهابا وايابا مما يقلل التكلفة ويخفف من الضغط على سكان تلك المدينة الذين يبحثون عن منتفس ويريدون ان يشعروا بانهم جزء من المشرق العربي ، فهم بالتاكيد لا ينون الرحيل ولا يريدون ان يتركوا مدينتهم التي لا مثيل لها في العالم ! فابناء هذه المدينة لا تبدلونها بكل كنوز الدنيا، وهذا يجب ان يكون معروفا للاخ والصديق والحبيب،قبل العدو.
الم يحن الوقت الذي يتم فيه التعامل مع سكان القدس بقليل من الريبة والحذر مع بعض الاحترام والتقدير ، تلك المدينة التي يتمنى الملايين من المسلمين والعرب لو شاهدوا نورها من على رؤوس الجبال البعيدة ولو لمرة واحدة في حياتهم، فهل يعقل بابناءها تركها والرحيل عنها فهم من علم الشعوب معنى الصمود ..!
وعندما قلت لاحد ابناء القدس الذي عاصروا مراحل ومراحل بانه يجب اثارة موضوع النصريح عبر الجسر قال: يا بنى اتمنى ان تتمكن من تحقيق شئ وان تساهم بالتخفيف عن المقدسين ولكن الواقع اثبت منذ اكثر من اربعين عاما اننا وحدنا في كل شئ، فقلت له: يا شيخنا فلنجرب عسا وعلا..!! فلا احد يسمع من انسان صامت ...! وافترقنا على امل اللقاء في غدا وقد ازيحت عن صدر سكان القدس عقبة اخرى من العقبات الكثيرة في حياتهم.