يبدو أننا أمام “ترتيبات” اللحظة الأخيرة.
ثمة اخبار وتسريبات عن فتح “قناة” للحوار مع الإسلاميين “لإغرائهم” بالدخول من بوابة “الانتخابات” الى مشروع الاصلاح وفقاً لوصفة “التدرج” المطروحة من عام على الاقل.
السؤال - بالطبع - ليس عن جدوى الحوار، فهذا سابق لأوانه، لكن عن الحظوظ المتوافرة لنجاحه، وعن قابلية كل طرف لتقديم ما يلزم من عروض وتنازلات، من الجهة الرسمية يبدو ان مجرد اطلاق الحوار هدفه بحد ذاته، وسيقال بعد ذلك بأن مسؤولية “الانسداد” تقع على عاتق الاسلاميين، وبالتالي يسهل احراجهم في الداخل والخارج، أما من جهة الاخوان فالحوار ليس خياراً بالضرورة، فهو مناسبة لإعطاء انطباع بأن “حضورهم” مطلوب، وبأن غيابهم مزعج ومكلف، وبالتالي فإن نجاح الحوار أو فشله سيصب في “رصيدهم”.
من المفارقات المدهشة ان “الصراع” على الاصلاح في بلدنا تم اختزاله في كفتين احداهما رسمية تحظى أحياناً بقبول لدى أطياف في المجتمع، والاخرى “كفة” الاخوان المسلمين الذين نجحوا في استثمار التحشيد ضدهم كما نجحوا في مضاعفة رصيدهم الشعبي، فأصبحوا قوة مؤثرة في الواقع، لكن هذه “القوة” جرى المبالغة فيها حتى اصبحت “وهماً” مرعباً، وسواء صدّقه البعض او تعامل معه بمنطق غير بريء، فإنه أقحمنا في مواجهات مغشوشة لا قيمة لها اطلاقً.
لم ينجح أحد في اقناع الشارع، الاخوان الذين امسكوا بزمام الحراكات قيادة وتمويلا وتوجيها فشلوا في ايجاد “حواضن” اجتماعية لمطالبهم وحراكاتهم، كما ان “استعراضاتهم” تحولت الى “مهرجانات” موسمية وتراجع عدد المصفقين لها، والرسميون الذين يتبنون برنامجاً اصلاحياً متواضعاً وبطيئاً فشلوا بإقناع الناس بالذهاب الى قوائم المسجلين للانتخابات، ولم ينجحوا في دفع “الاغلبية الصامتة” على “الخيبة” والقهر في الانتظام امام “أمل” يحيي داخلهم الهمة.. ويسحب من صدورهم الشك والخوف من القادم.
كل ما فعلنا على الطرفين، حتى حين نبشر بالحوار، هو افتعال نوع جديد من الصدام، والمبررات هنا مفهومة، ذلك ان ادامة “الصراع” سواء بين الاخوان والحراكات، او بين المكونات السياسية والاجتماعية الاخرى، سيدفع الى قبول “وصفة” الانقاذ الرسمية، واعتقد ان هذا غير صحيح، بل انه سيكون اخطر من “دفن” عملية الاصلاح برمتها.
من يتابع ما فعله الاخوان في الاسابيع الماضية، ابتداء من الدعوة للنفير الاكبر، الى ارسال مبعوثين لتلقي التدريب في موضوعات الاتيكيت السياسي او الاداء الاقتصادي، الى طرح مشروع “النهضة” وفق النموذج الاخواني المصري..الخ، سيكتشف بأننا امام حركة تستعد فعلاً لممارسة الحكم، بل وعلى يقين أنها ستصل اليه، إذن ما معنى المقاطعة؟
وما معنى الاحتفاء بالحوار من جديد؟ ثم كيف نفهم “تغييب” الحراكات التي تشكل نبض الشارع وخزان المدّ الاخواني ايضا عن طاولة “الحوارات” وكأن لا وزن لها!
الاجابة التي يمكن ان نفهم بعض اشاراتها مما جرى حولنا وفي داخلنا تبدو واحدة وهي ان “اللعبة” التي انطلقت عفوياً لم تعد كذلك، فقد جرت من تحتنا مياه غزيرة، ودخل “لاعبون” كثر الى الحلبات، وتم تجهيز “اجندات” ومواقيت، وأصبح من العسير ان نظن بأننا نلعب وحدنا في “المسرح”.
من واجبنا ان ننتبه لذلك، لأن اخطر ما يمكن ان نتصوره قد يقع فعلاً، ولأن ما يطمئننا اليوم قد يكون اسوأ ما يهددنا غداً، ومن اجل ذلك لا بد من ان نعيد حسابات “التقدير العام للموقف”، والاوزان السياسية والشعبية “للمشاركين” واللاعبين أياً كانت اتجاهاتهم، وان تكون الحوارات التي نطلقها ليست مطلوبة لذاتها انما للخروج من “أزماتنا” والوصول الى “المشتركات” لا مع الاخوان فقط انما مع مختلف الأطياف والقوى التي لا تقل “ ثقلا” عن الاخوان وان كنا نريد ان نقنع أنفسنا بأنها غير موجودة.
الدستور