تربية أم تعليم ؟

تربية أم تعليم ؟

إصلاحات عدة تم إدخالها على النظام التعليمي المدرسي عبر العقد الماضي. وهي إصلاحات مهمة أثرت إيجابا في العديد من جوانب العملية التعليمية. فالثقافة الحاسوبية التي أدخلت ساهمت مساهمة فعالة، رغم تحفظات بعضهم على آليات تطبيقها واستخداماتها، في تمكين كل من المعلم والطالب من امتلاك أداة عصرية مهمة من أدوات التعلم والتواصل.

وقد خطت الوزارة خطوات لا بأس بها في مجال تطوير المناهج، وذلك ببنائها على مخرجات التعلم وعلى بعض المواد والمراجع الإثرائية، إضافة إلى نظام تقويم أكثر تطوراً وحرفية من ذي قبل.

كما تم عمل الكثير، رغم الحاجة الملحة إلى المزيد، في مجال تدريب المعلمين والاهتمام بهم من خلال جوائز التميز والإبداع. وهنالك العديد من المبادرات التي تهدف إلى تشجيع الطلبة على الإبداع في بعض المجالات.

ومع ذلك، فما زال التعليم المدرسي يعاني من تحديات ومشكلات جوهرية تحول دون نهضته على النحو المرجو. وما زال هنالك حاجة ماسة إلى تعديلات أكثر جوهرية وعمقاً من كل ما تم.

بدخولها الألفية الثالثة وبدخول قرن جديد دخلت البشرية مرحلة جديدة من عمرها لها متطلباتها وتحدياتها وأدواتها المختلفة عن سابقاتها. ومن هنا لا يعقل أن يبقى نظامنا التعليمي يتبع الأساليب نفسها التي كانت متبعة في بداية القرن العشرين.

إذا طرحتَ بعض الشكليات جانباً ترى جيل أبنائنا وأحفادنا يتعلمون بالطرق ذاتها التي تعلم بوساطتها آباؤهم وأحفادهم.

على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن الأمور التالية، التي اتسم بها نظامنا التعليمي منذ أمد طويل، ما زالت مهيمنة هيمنة كبيرة.

أولا، اقتصار التعلم بدرجة كبيرة على الكتاب المدرسي. الأصل أن المنهاج أكبر بكثير من الكتاب، وأشمل وأوسع منه. لكن مع الأسف يقتصر دور المعلم في الغالب الأعم على تعليم ما يرد في الكتاب حرفيا، وأحيانا تلخيصه إمّا في كراسات مبسّطة أو أوراق عمل بدائية، ويقتصر دور الطالب في التعلم على محتويات الكتاب.

ثانياً، ما زال الطالب يعتمد اعتماداً شبه كليّ على المعلم. بدل أن يكون المعلم محفّزاً وموجّها ما زال المحرك الرئيس في عملية الشرح والتلقين. اعتماد الطالب على نفسه في التعلم، أو في جزء منه، أمر شبه معدوم.

ثالثاً، ما زال معظم التعلم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرات العقلية الدنيا مثل الحفظ والتذكر.

وهنالك غياب شبه كامل للقدرات العقلية الأعلى، مثل التطبيق والنقد والتحليل. وآفة التعليم عندنا هي الحفظ عن ظهر قلب.

المطلوب نقلة تعكس الوضع الحالي وتقلبه رأساً على عقب: ليصبح المنهاج أشمل من الكتاب، ويصير الطالب يعتمد على نفسه أكثر من اعتماده على المعلم، ويتم التركيز على مهارات التطبيق والتحليل الناقد والتعامل مع المعلومة وليس على حفظ المعلومة وتذكّرها فقط.

والسمة السلبية الأساسية التي تشمل كلّ ما سبق تتمثّل في أن دور المدرسة يركز على شق واحد من عملها، ألا وهو شق التعليم، الذي يجب أن يكون تعلمّاً وليس تعليماً. أما شق التربية فقد أهمل إهمالاً شبه تام.

وهذا أمر شديد الخطورة وأحد أسباب قصور التعليم المدرسي. فالمعلومة، التي ما زالت الهدف الأسمى لنظامنا التعليمي في شكله الحالي، لم تعد هي الأساس. فالتربية أهم بكثير. المعلومة متوافرة في العديد من المصادر التي يمكن أن يحصل عليها الطلبة بسهولة، ليس فقط عبر شبكة الإنترنت والأقراص المدمجة والتلفاز بل من خلال الهاتف النقال. أما التربية فالدور المعلق عليها أكبر، وأهم فهي التي تخلق العادات والميول والمهارات، وهي التي تصقل شخصية الفرد التي هي الأساس في التّعلم وفي مخرجات تتواءم مع سوق العمل والنجاح في الحياة .

عندما سُميّت الوزارة وزارة التربية والتعليم كان الأساس في عملها التربية. ومن هنا قدّمت كلمة التربية على التعليم في اسمها. المطلوب هو الالتزام بذلك، وليس تغليب التعليم على التربية أو إهمال الذخيرة كلياً.

آن الأوان لإجراء تغييرات جذرية في النظام التعليمي تأخذ بعين الاعتبار ما تم ذكره، وإلا نبقى نرحلّ المشكلات والتحديات الكبرى ونقوم بعمليات مهمة لكنها ثانوية.

العرب اليوم

أضف تعليقك