تراجع الإسلاميين.. الفرضية على المحك
ربما لا يعجب هذا الاستنتاج الكثيرين، لكنها الحقيقة وينبغي التعامل معها؛ الحركة الإسلامية في الأردن ما تزال قادرة على حشد الجمهور ونسج التحالفات، رغم ما يقال عن تراجع حظوظ التيار الإسلامي في الساحة العربية.
نتائج انتخابات نقابة المعلمين أظهرت ذلك بوضوح، وبعدها بيومين انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية.
صحيح أن النظام الانتخابي لنقابة المعلمين، الذي وضعته حكومة عون الخصاونة، ظالم وغير منصف، ويمنح من يفوز بالنصف زائد واحد جميع المقاعد، ويحرم الآخرين. لكن حتى لو اعتمدنا نظام التمثيل النسبي "الصيغة المختلطة"، فإن قائمة التيار الإسلامي ستبقى محتفظة بالأغلبية، كما بينت "الحسبة" التي أجراها الناشط السياسي خالد رمضان، وأظهرت ان حصة القائمة المدعومة من الإسلاميين ستنخفض 35 مقعدا فقط.
الإسلاميون هم القوة الوحيدة المنظمة تقريبا في نقابة المعلمين، وهذا الأمر يمنحهم ميزة على غيرهم. لكن الأهم من ذلك أنهم، ورغم ما يواجهون من تحد وجودي بعد كل الذي جرى في مصر، واعتبارهم تنظيما إرهابيا من طرف دول عربية، قد احتفظوا بقدرتهم على التعبئة، وإقناع المستقلين بالتحالف معهم؛ إذ تنبغي الملاحظة هنا أن نسبة كبيرة من الفائزين على قوائم الإسلاميين هم من المستقلين.
في انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية، ورغم المنافسة الشديدة مع قوائم أخرى ذات طبيعة جهوية وإقليمية، إلا أن الإسلاميين حصدوا نسبة معتبرة من المقاعد.
ماذا يعني ذلك؟
أولا: أن الحديث عن تراجع شعبية الإسلاميين ينطوي على قدر كبير من المبالغة. لقد استندت هذه الفرضية إلى عدة مؤشرات، أهمها ضعف قدرة الحركة الإسلامية على حشد الجمهور للتظاهر في الشارع. وهذا صحيح، وينطبق عليهم وعلى غيرهم من القوى. لكن هذا المؤشر ليس كافيا لاستنتاجات حاسمة؛ فطالما كانت قدرة الأحزاب الأردنية على الحشد في الشارع محدودة. وقدرة الإسلاميين لم تكن تظهر على حقيقتها في الشارع، بل في صناديق الاقتراع؛ في البرلمان، والنقابات، والاتحادات الطلابية.
ثانيا: إن ما جرى في مصر لا ينعكس بالضرورة على جميع الساحات. وإن كان له ارتدادات، فإنها جاءت باتجاه معاكس. وقد يكون هذا ما حصل مع الحركة الإسلامية في الأردن، التي ربما حظيت بتعاطف من قطاعات اجتماعية، بعد القمع الذي تعرضت له في مصر، والإطاحة برئيسها المنتخب محمد مرسي، وما رافقها من حملات إعلامية لشيطنة الحركة الإسلامية، وإذ بهذا الشيطان يقفز لهم من صناديق الاقتراع.
ثالثا: أثبتت التطورات أن الموقف الذي اتخذه الأردن من سياسة حظر جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتمدتها دول خليجية ومصر، كان موقفا حكيما، وقائما على حسابات واقعية وبناءة. فلا يمكن لدولة تصنيف حركة تملك كل هذا الحضور على أنها حركة إرهابية خارجة عن القانون.
رابعا: في المقابل، يتعين على الحركة الإسلامية أن تتعامل مع هذه الوقائع بأعلى درجات الواقعية والحكمة، وأن تتجنب السلوك الاستفزازي وسياسة الإقصاء والتفرد في صناعة القرار في نقابة المعلمين؛ فتُظهر ولو لمرة واحدة أنها قادرة على صنع الشراكة مع الآخرين.
الغد