تحدثوا مع الشباب بدل اعتقالهم

تحدثوا مع الشباب بدل اعتقالهم
الرابط المختصر

مضت أسابيع على اعتقال اثنين من ناشطي الحراك؛ هشام الحيصة من بلدة مليح، وباسم الروابدة من إربد. وفي وقت لاحق، تم توقيف اثنين آخرين من شباب الحركة الإسلامية في عمان، بعد مشاركتهما في مناظرة مفتوحة في الساحة الهاشمية حول حجب المواقع الإلكترونية.

ثلاث ملاحظات تبعث على القلق في التوقيفات المذكورة: الأولى، أنها تستهدف ناشطين سياسيين سلميين. والثانية، توجيه تهم من العيار الثقيل لهم، كتقويض النظام مثلا. والثالثة، تحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، بما يحرمهم من حق التقاضي أمام المحاكم المدنية مثل سائر الناس.

ولم تكتف السلطات الرسمية بقرار التوقيف ورفض تكفيلهم رغم إضرابهم عن الطعام لأيام، بل لجأت إلى التنكيل ببضعة أشخاص نظموا اعتصاما مفتوحا في إربد تضامنا معهم. وطالت العقوبات الرسمية شجرة زيتون يتيمة، كان المعتصمون يستظلون تحتها قبالة محافظة إربد.

الاعتقالات سياسة غير حصيفة، تحول المشاكل المحدودة إلى قضية عامة. الحراك بشكل عام ليس في حالة صعود أو مواجهة مع الدولة في هذه المرحلة. في العموم، هناك سجالات سياسية ساخنة على كل المستويات، لكن التحركات في الشارع اتخذت منذ أسابيع طابعا تقليديا، وانحصرت "ميادينها" في مناطق جغرافية محددة.

الأشهر الطويلة من الحراك الشعبي في الأردن أثبتت عقم سياسة الاعتقالات؛ معظم النشطاء تم توقيفهم مرات عديدة، ومع ذلك لم يترددوا في المشاركة في أي فعالية بعد الإفراج عنهم. وأكثر من ذلك، فإنهم في الغالب يخرجون من الاعتقال بمواقف متطرفة، ولا يتوقفون عن ترديد شعارات بسقف مرتفع، فما جدوى التوقيف إذن؟!

مقارنة مع الحال في بلدان من حولنا، تبدو مثل هذه الإجراءات حدثا لا يذكر. لكنها بمعايير الحياة السياسية الأردنية وتقاليدها، تشكل خروجا عن الخط المألوف في إدارة الصراعات الداخلية. حجز حرية الأفراد ومصادرة حقهم في التعبير السلمي، سلوكان لا يستقيمان مع الخطاب السائد للدولة، وبرنامجها الإصلاحي.

يمكن أن يكون بعض الموقوفين من أصحاب التوجهات المتشددة، لكنهم في النهاية يحملون وجهات نظر تحتمل الحوار، وليس الاعتقال والمحاكمة أمام "أمن الدولة".

وقد أظهرت أحداث السنوات الثلاث من عمر الحراك الأردني أن الحوار والالتقاء في منتصف الطريق هما السبيل الوحيد لخلق التفاهمات الوطنية، وتجاوز الصدام. بهذه الوصفة، نجا الأردن من المسار الدموي الذي انزلقت إليه دول عديدة في المنطقة.

وفي حالة الحراك الشبابي الأردني، فإن أكثر الآراء تشددا وتعنتا لا تتجاوز في جوهرها ثوابت الدستور الرئيسة. صحيح أن لغة الخطاب في أحيان كثيرة تخرج عن حدود اللياقة الأدبية، وتجنح إلى التجريح الشخصي، غير أنها لا تعدو أن تكون أكثر من حالة انفعال عابرة تتلاشى بعد حين، ويمكن القضاء عليها نهائيا بحوار منتج وفعال مع الحراكيين؛ أفرادا وجماعات، والاقتراب من برنامج التغيير المنشود شعبيا، بخطوات واثقة و"متدرجة" أيضا، والعمل مع المجاميع الشبابية والاجتماعية على بناء ثقافة جديدة تقوم على المكاشفة في مواجهة المبالغة والشطط العام.

تحدثوا مع الشباب بدل اعتقالهم، هذه هي طريق الإصلاح

الغد