تجاهل المشكلة الاعلامية بقرارات الوقف والحجب

تجاهل المشكلة الاعلامية بقرارات الوقف والحجب
الرابط المختصر

في المثل الشعبي "الباب الذي يأتي منه الريح سدّه واستريح" والمقصود هو البحث عن راحة النفس وتوفير الجهد بالعزلة عن كل ما يجلب التفكير والهم والمشاكل. وهذا ما فعلته الحكومة في تعاملها مع الصحافة والمواقع الالكترونية عندما اوقفت اشتراكات الوزارات والمؤسسات مع الصحف اليومية, واخيرا أغلقت الابواب امام المواقع الالكترونية في الدوائر الرسمية.

في مسألة التعامل مع الرأي العام, لا يفيد المثل المذكور اعلاه, على العكس كلما فُتحت النوافذ والابواب امام وسائل الاعلام والصحافة على المجتمع كلما تحصن المواطن من التأثيرات السلبية على وعيه وعلى بلده. وهي معادلة مشابهة تماما لاقتصاد السوق الحر. حيث ان ازالة الحواجز امام تدفق السلع يساعد المستهلك على اتخاذ القرارات الصائبة عند البحث عن السلعة وسعرها.

لم يقتنع احد بالحجة الحكومية في وقف اشتراكات الصحف اليومية, ولا هي - أي حكومة الرفاعي- استفادت من حجب الصحافة الوطنية عن موظفي القطاع العام, لانها حُرمت من الوسيلة التي تتدفق من خلالها اخبار النشاطات الحكومية التي تغطي في المتوسط 3/4 صفحات اي جريدة يومية.

كان المستفيد الاول من وقف اشتراكات الصحف في المؤسسات والوزارات هي المواقع الالكترونية التي تحوّل اليها الموظفون حيث ازدهرت التعليقات القصيرة, ومع هذا الاكتشاف المتأخر, أقدمت الحكومة على قرار حجب المواقع فعالجت الخطأ بخطأ اكبر منه.

يبرر المسؤولون قرارهم بحجب المواقع بأن الموظفين يقضون وقتا طويلا في متابعة عشرات المواقع, وذلك على حساب واجباتهم الوظيفية, ويشيرون الى احصاءات بأن معظم قراء المواقع, والذين يعلقون على مواضيعها هم من الموظفين.

اذا كان هذا الامر صحيحا فلا يعالج بالحجب انما بقرارات ادارية تراقب عمل الموظف بحيث لا تكون متابعته للمواقع على حساب ادائه الوظيفي. اما الحجب بالصورة التي تتم بها - وبالمناسبة الحجب يسري ايضا على مواقع الصحف اليومية- فان المشهد يضيف نقاطا سلبية اخرى الى موقف الحكومة من مسألة الحريات الاعلامية والصحافية.

عملية حجب المواقع الالكترونية لن تمنع المواطن من متابعة محطات فضائية محلية تنتقد سياسات الحكومة وتهاجمها, وقد اخذت تجذب كل يوم مزيدا من المشاهدين. وهو ما يدلل على ان مأزق الحكومة مع الإعلام والصحافة يتعمق يوما بعد آخر, ولن تستريح الحكومة بسد بابها ونوافذها.

ومن المؤسف ان المسؤولين لا يفكرون في مواجهة المشكلة الا من خلال (الوقف والحجب ... الخ) بينما يتجاهلون واقع وجود فراغ إعلامي وطني بسبب سياسات قاصرة عن مواكبة التطور الهائل في الأثير الإعلامي, الذي يخترق الحدود وحتى غرف النوم. ولن يجدي استمرار حالة الإنكار الرسمية لعجزها في اغلاق النوافذ, فمحاولات حجب وسائل الاعلام ومنعها بصورة واخرى هي أشبه بقبض الريح.

مثلما نطالب ببرلمان وطني بانتخابات حرة ونزيهة, طالبنا ونُطالب بمؤسسات إعلامية وطنية, على قاعدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص من اجل توفير رساميل كبيرة لاطلاق فضائيات اردنية بمستوى فني ومهني متطور, وبمستويات مرتفعة من حرية الرأي, بما يحترم وعي المواطن الاردني ويقترب من مشاكله وهمومه, وقبل ذلك وبعده, مؤسسات إعلامية يرى فيها المواطن انها صوته ومنبره والجسر الممتد بينه وبين الدولة والحكومة, فالحجب والمنع والتضييق على الصحف مردوده على الدولة والمجتمع اخطر بكثير من خلق المناخ والبيئة المناسبة لحرية الرأي والرأي الآخر.

بتجاهل المشكلة, ستتوالى المواجهات وحالة القطيعة بين الصحافة والحكومة, وبين مختلف وسائل الاعلام المستقلة والحكومة, ويوما بعد آخر سيتكاثر (الاعلام البديل) بأشكال مختلفة, والخاسر دائما ستكون الدولة والمواطنون ايضا, في غياب إعلام وطني يُؤسس على حرية تداول المعلومات والتنافس في جذب المشاهدين من خلال المهنية والموضوعية.