تأملات في التعديلات الدستورية

تأملات في التعديلات الدستورية
الرابط المختصر

تمثل التعديلات انجازاً حقيقياً على طريق الاصلاح السياسي الشامل. واهم ما ترمز اليه من دلالات انها توفر القناعة لكل متابع للشأن الاردني العام, داخل البلاد وخارجها, بأن الملك عبدالله الثاني جاد في المضي والى ابعد الحدود التي تتطلبها عملية الاصلاح السياسي على طريق اعادة بناء الدولة وفق أسس جديدة من الحريات العامة, دولة المؤسسات واحترام حقوق الانسان وفي مقدمتها كرامة المواطن وحقه في المشاركة بادارة شؤونه العامة.

التعديلات تجسد قناعة الملك بأن الديمقراطية ;اي البرلمان المنتخب, انتخاباً حراً بضمانات دستورية امر لا مناص منه وهو نتيجة منطقية لأي عملية اصلاح سياسي, بهذا المعنى فإن اعادة الاعتبار لكل بنود دستور 1952 واستعادة (المشطوب منها) هو تجسيد للملكية الدستورية, باعتبار الدستور الجديد يؤسس لمرحلة انتقال سلمي الى النظام الديمقراطي يشارك فيها الشعب والملك معاً, وهو ما يضع الاصلاح في البلاد على خط آخر غير السائد في الثورات العربية حيث يتم الاصلاح عبر تحطيم الانظمة القائمة.

وعلى غرار النماذج الديمقراطية التي انطلق بناؤها على دساتير محترمة, فإن العبرة ليست في حشد المواد والنصوص الدستورية بين دفتين, انما في آليات تطبيقها على ارض الواقع. والتحدي الاكبر في القدرة على اقامة صرحين من الصروح اللازمة, لبناء الديمقراطية. الاول: البرلمان الدستوري. والثاني: الحكومة الدستورية.

لقد وضعت التعديلات المداميك اللازمة لوجود برلمان دستوري بالاعتماد على انتخابات حرة نزيهة. لكن شرط قيام مثل هذا البرلمان يعتمد على مدى اقتراب قانون الانتخابات الجديد من روح ونصوص الدستور.

وبالطبع, لم توضع التعديلات من اجل تقوية مجلس النواب الحالي, انما المجلس المقبل الذي سيقوم على ارضية دستور 52 (بنسخته الجديدة). وعلى نتائج الانتخابات وفق القانون الجديد ايضا وبصراحة اذا كانت هناك حالة من الاطمئنان بأن مجلس النواب الحالي سيمرر التعديلات الدستورية كما هي لان الملك يضع ثقله خلفها. فإن المخاوف المتداولة بين الاوساط الشعبية والسياسية ان يُجهض المجلس روح التعديلات الدستورية عند مناقشته لقانوني الانتخاب والاحزاب بما يهدد مسيرة الاصلاح وهذا ان حدث, سيولد حركة متزايدة من الاحتجاجات الشعبية.

لقد منحت التعديلات مجلس الامة قوة كبيرة, وهذا يفرض وجود حكومة قوية لتحقيق التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية, وقوة الحكومة مرهونة بمخرجات قانوني الانتخابات والاحزاب, واخشى, على ضوء ما تقدمت به لجنة الحوار الوطني من مشروعي القانونين اللذين لم ينجحا في وضع نظام قوائم تنافسية ترسم الخريطة النيابية, ان لا يكون المسرح السياسي والحزبي والشعبي في البلاد مهيأ لارسال اغلبية نيابية (او ائتلاف الاغلبية) الى المجلس المقبل.

إن من اهم العبارات التي قالها الملك في حفل اعلان التعديلات الدستورية دعوته الحركات الشبابية والاجتماعية والاحزاب للمشاركة في عملية الاصلاح.

وهذا هو (مربط الفرس) في التحول الى الديمقراطية, هذه المشاركة ستكون ممكنة وحاضرة بقوة, اذا قامت خطوات الاصلاح بالترتيب على (1) حكومة انتقالية قوية تحصل على ثقة الشعب بوضع قانون انتخاب جوهره نظام القوائم التنافسية وقادرة على تمريره في مجلس النواب 2) ضمان اجراء انتخابات حرة تضع حدا للتجاوزات والتدخلات الرسمية المعهودة وان تستعين الحكومة بضمانات رقابية, محلية ودولية, على الانتخابات ترجمة للضمانات التي جاءت بها التعديلات الدستورية 3) بذلك تكون قوانين الاصلاح هي تتويج عملية انتخابية حرة تشارك فيها جميع قوى الحراك الشعبي بما يمنحها الثقة الجماهيرية, المنبثقة عن شعور المواطن بأنه مشارك فاعل في عملية التحول الديمقراطي من خلال انتخاب ممثليه في مناخات الربيع العربي الجديد.

العرب اليوم