بعد سنة من مفترق الطرق ؟
في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان الأردن يمر بأصعب مرحلة على الإطلاق في مسار “الحراك السياسي” المرتبط بما يسمى الربيع العربي. آلاف الناس كانوا في الشوارع يهتفون ضد الحكومة والدولة وأحيانا ضد النظام، اعتداءات على مراكز أمنية وممتلكات عامة وخاصة، عنف من قبل قوات الدرك وحالة توتر عام تشهدها البلاد خوفا من فقدان السيطرة وتجاوز الخطوة المشؤومة ما بين التظاهر السلمي والعنف الفوضوي التي أطاحت باستقرار معظم الدول العربية في الأونة الأخيرة.
المظاهرات التي خرجت نتيجة قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية، جاءت بعد تصعيد مستمر من قبل القوى السياسية المعارضة وسلسلة من التصريحات المثيرة للخوف من قبل رئيس الوزراء حول الوضع الاقتصادي، والتي كانت تشبه نذيرا بحدوث “يوم قيامة اقتصادي” في الأردن في حال لم يتم اتخاذ قرار رفع الدعم. التصريحات المتبادلة أشعلت المشاعر وأججت الانفعال من كافة الأطراف وكانت النتيجة ثلاثة ايام من المظاهرات والمواجهات قبل أن يتدخل العقل والحكمة، والاحترافية الأمنية في تهدئة الظروف.
بعد سنة من هذه الأيام الصعبة يبدو الوضع السياسي والاقتصادي أكثر هدوءا من اي وقت كان. هل يمكن القول بأن رئيس الوزراء نجح في مغامرته السياسية أم أن العوامل الخارجية ساعدت على تجاوز الأردن لهذه الأزمة، أم أن مستوى الوعي الوطني لدى النشطاء السياسيين ساهم في عدم القفز الانتحاري نحو حالة الفوضى والعنف المفتوح؟ ربما تكون العوامل الثلاثة معا قد ساهمت في ذلك.
بغض النظر عن مدى الدقة الرقمية والاقتصادية للتصريحات الحكومية حول قرب انهيار وإفلاس الاقتصاد الأردني في ذلك الوقت، ومدى الذعر الذي تسببت به للراي العام وللمستثمرين معا فإنها رفعت مستويات “تقبل” القرارات الاقتصادية بطريقة من المهم دراستها وتحليلها. رفع مستوى التخوف، ووضع المواطن أمام الخيار المقلق ما بين رفع الأسعار أو انهيار الاقتصاد وبالتالي الفوضى السياسية والأمنية ربما ساهم نفسيا في تخفيف ردود الفعل. هذه القرارات الاقتصادية ربما كان يجب أن تؤخذ ولم يستطع اي رئيس وزراء سابق أن يقوم بها بسبب التردد في اللحظة الأخيرة أو سوء الإخراج السياسي والإعلامي. الآن، حصل الأردن على قرض صندوق النقد، وتجاوز الكثير من المطبات المالية وأصدر سندات اليوروبوند وتمكن بطريقة ما من التكيف مع التحدي الكبير في استيعاب اللاجئين السوريين. قبل سنة من الآن ربما لم يكن أحد يتخيل أن تصل الأمور إلى هذه المحصلة، ومن المهم فعلا دراسة هذه الحالة ومعرفة الأسباب التي ساهمت بها.
بلا شك أن الوعي والنضوج المتواجد بشدة لدى الرأي العام الأردني إضافة إلى مشاهدتنا جميعا للأوضاع في سوريا ومصر وليبيا ودول أخرى اتخذ شعبها قرار المضي قدما في نهج الثورات جعل الغالبية العظمى تتردد في دفع البلاد والشعب نحو مثل هذه النتائج الكارثية. هذه كانت من العوامل الرئيسية في ضبط جماح الاندفاع الكبير الذي كان بعض نشطاء الحراك وحزب سياسي واحد يخطط لهم يأمل به لإحداث فوضى وتغيير في نهج الحكم في البلاد.
لا يزال سؤال الإصلاح السياسي مع ذلك مفتوحا على مصراعيه. تجاوز الأردن مفترق الطرق الاقتصادي ولكن بدون التحول السريع نحو منهجية إدارة ديمقراطية وشفافة للدولة ضمن منهجية الملكية الدستورية التي ينادي بها جلالة الملك والتي تتطلب عملا حزبيا وسياسيا منظما، ستبقى الضغوطات الاقتصادية عاملا أساسيا لإعادة تحريك ملف الإصلاح السياسي وهذا ما يتطلب خطة سريعة وواضحة من الدولة للتحول نحو الإصلاح الحقيقي.
الدستور