برسم الصدمة والترويع!
مناقشة النواب لملف اللاجئين السوريين، وموقف الأردن من الثورة السورية، و"الحفلة العنصرية" التي تمّت عبر مجموعة من النواب تجاه الأشقاء السوريين اللاجئين، أصابتنا بحالة من الصدمة والترويع من المستوى الذي وصلت إليه خطابات بعض النواب، وطغت على صورة المجلس بأسره، لغياب الصوت الآخر، وسكوت النواب الآخرين عن هذا الطرح المخيف!
اللغة التي صدرت عن هؤلاء النواب ترعبنا! فالمهمة المفترضة البديهية لمجلس النواب هي أن يناقش، بروح عقلانية وواقعية وهادئة، هذا الملف، ويقدم ملاحظاته على السياسات الحكومية، لا أن ينفخ روح العنصرية في المجتمع تجاه الأشقاء والجيران، بل ويتبنّى بصورة كاملة دعاية النظام السوري تجاه الثورة، وينسفها بكلمات قليلة، بوصفها صناعة قطرية وسعودية وتركية، لا أنّها إرادة شعب يسعى إلى التحرر والديمقراطية والتخلص من حكم دكتاتوري مذلّ فاسد!
للأسف، هذه الأصوات، برغم أنّها محدودة ومعدودة، إلاّ أنّنا سندفع ثمناً غالياً لها من سمعتنا وكرامتنا.
إذ بعد هذا الدور الكبير والمعتبر الذي قام به الأردن، رسمياً وشعبياً، في استضافة مئات الآلاف من اللاجئين، تأتي هذه الخطابات لتشوّه هذا الجانب المضيء.
وهي لا تكتفي بذلك، بل تسيء لتضحيات الثوار وجهادهم التاريخي الاستثنائي خلال عامين كاملين!
بالضرورة، مثل هذه "المزايدات الفارغة" لن تقدّم أو تؤخّر على أرض الواقع، فما قمنا به هو واجب إنساني والتزام دولي قانوني وأخلاقي، وهو ما لا يمكن التراجع عنه، إلاّ بتوفير بدائل واضحة لتأمين حياة الأشقاء.
أمّا قصة دعم المجتمع الدولي وموقف الدول العربية الأخرى فهي قضية أخرى، تناقش بصورة مستقلة عن حق الإنسان السوري، أولاً، في الديمقراطية والحرية، وثانياً باللجوء من آلة القتل والتدمير، وهو ما خلطه النواب للأسف الشديد، وأساؤوا لمجلسهم ولصورتنا وقيمنا!
كان بإمكان النواب والمجلس عموماً أن يقدّم أداءً سياسياً مختلفاً تماماً، بأن يناقش القضايا التي تؤرق سكان المناطق الشمالية من أجرة المنازل والعمالة، والضغط على البنى التحتية والموارد الطبيعية الشحيحة، وتقديم تصوّرات وخطوط عامة للحكومة للالتزام بها في المرحلة المقبلة.
كان ذلك أجدى وأنفع، وأكرم للنواب من "الصورة البدائية" التي ظهروا عليها!
ربما يخفف من وقع هذه الصدمة القاسية في الإعلام والرأي العام المحلي والعربي، مواقف عدد من النواب بالأمس، مثل النائبين عبدالله عبيدات ومدّالله الطراونة وآخرين، بخاصة من كتلة الوسط الإسلامي، الذين دافعوا عن دور الأردن الإنساني، وطالبوا بإيجاد بدائل واقعية ومنطقية، ووجّهوا انتقادات لما يقوم به النظام السوري من جرائم بحق السوريين.
ما هو مزعج وصادم أكثر من مناقشة الوضع السوري، هي تلك الصورة التي تقدّمها الأصوات العالية من بعض النواب عن هذه المؤسسة الدستورية العريقة، وما يفترض أن تمثّله سياسياً ورمزياً، عبر اللغة والمصطلحات والسلوكيات البدائية، سواء في الجلسة المعروفة بجلسة "الأربعاء الأسود" التي كان ضحيتها رئيس الوزراء نفسه، وانتهت بالتلويح بالأسلحة، أو حتى العجز الكامل عن الارتقاء إلى مستوى الاستحقاقات السياسية المطلوبة من المجلس في التعاطي مع التأسيس لحكومة برلمانية.
وأخيراً الروح العدائية تجاه الأشقاء السوريين، ولغة المزايدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع!بتّ أجد العذر الكامل لرئيس الوزراء في طريقة تعاطيه مع مجلس النواب؛ فمثل هذا "الأجواء" تحتاج إلى "ذهنية" خاصة للتعامل معها. لكن من المحزن جداً أن يُقدَّم الشعب الأردني عبر هذه الصورة من "ممثّليه".
فماذا فعل بنا قانون الانتخاب والسياسات الرسمية من تهشيم وتكسير وتحطيم ندفع ثمنه من مصالحنا ومستقبلنا وأعصابنا، ونحن نراقب هذا المشهد؟
الغد