انقلاب الرهانات وتغيير المسارات

انقلاب الرهانات وتغيير المسارات
الرابط المختصر

في غضون أسابيع قليلة انقلبت الأجواء السياسية الداخلية والخارجية، وتغيّرت المعادلات التي تحدّد عمل الحكومة، مما يُسقط رهانات ويولّد أخرى.

العُطل الأول أصاب الموازنة الحالية بلجوء الحكومة إلى إجراءات تخفف من الاحتقان الشعبي، وأصبح الحديث منصباً على تخفيف الأعباء الاقتصادية عن المواطن، بدلاً من إعادة هيكلة سياسات دعم المواد الأساسية، بآليات جديدة.

أهمية "العامل الشعبي" بدت أكثر ضراوة مع تداعيات الحالة التونسية على مزاج الشارع العربي عموماً، وتضافر ذلك مع شعارات قاسية بسقوف مرتفعة انطلقت في المسيرات والاحتجاجات الأخيرة، وبروز إرهاصات لمزاج برلماني مختلف.

رهاناتنا الخارجية، أيضاً، تعاني من الشلل حالياً، مع رفع الإدارة الأميركية "الراية البيضاء" تجاه جهود التسوية، والأزمات الداخلية العربية، وغداً هنالك تداعيات القرار الظني والأزمة اللبنانية وارتفاع التوتر الإقليمي.

الطريق الحالية للسياسات الرسمية، برهاناتها وفرضياتها، وصلت إلى الحائط، مما يستدعي تغييراً أساسياً وإعادة تفكير عميقة وهادئة لقراءة المتغيرات الحالية وإحداثيات المرحلة القادمة.

الخطوة الأولى تكمن بأهمية الانفتاح على الجميع، وتخليق أجواء للحوار السياسي الوطني، سواء من خلال المناخات الإعلامية الرسمية أو الخاصة، أو بخطوات حكومية جادّة للتحضير لنقلة نوعية في المشهد السياسي، بما يتجاوز الرسائل الإعلامية إلى عصف ذهني داخلي حقيقي تكون الحكومة طرفاً فيه.

يؤدّي الحوار الاستراتيجي المطلوب إلى ميثاق وطني جديد شبيه بالميثاق الذي تلا عودة الحياة الديمقراطية عام 1989، وهو اللبنة الأساسية لتجديد العقد الاجتماعي الوطني، ولتجديد خطاب الدولة، وقطع الطريق على الخطابات المأزومة والهويات المغلقة التي تعكس تراجعاً في قيم الدولة على الجميع.

ملامح الرؤية الاستراتيجية الجديدة تقتضي التوافق على ترسيم ثلاثة مسارات رئيسة؛ في مقدمتها الإصلاح السياسي، والمراحل المتوقعة لتحقيق ذلك، بدءاً من قانون الانتخاب، وضمانة الحريات العامة وحقوق الإنسان، وصولاً إلى تحقيق التعددية السياسية والحزبية.

المسار الحيوي الثاني المتعلّق بالأول هو تحديد أبعاد المعادلة الداخلية والعلاقة بين الدولة والمجتمع، بالتأكيد على حماية مبدأ سيادة القانون والشفافية والحاكمية والمواطنة ومكافحة الفساد، مع فك الاشتباك بين هوية الدولة والتحرّز من أي إشارات بخصوص "حق العودة"، وهي معادلة تتطلب توافقاً وتفاهماً وطنياً عميقاً.

المسار الثالث هو السياسات الاقتصادية، وبناء التوازنات المطلوبة بين حماية الاقتصاد الوطني والبعد الاجتماعي المتعلق بالطبقة الوسطى والفقيرة، وذلك يقتضي إعادة هيكلة لسوق العمل وتقييم وتقويم للمسار الاقتصادي وما شهده من أخطاء بنيوية وجوهرية.

في المحصلة، اللحظة الراهنة تقتضي تغيير المسار بعد أن أثبتت الرهانات الحالية عجزها، والتحضير جيّداً لمرحلة مختلفة تفتح الأفق لقفزات حقيقية في مساحة المشاركة السياسية والشراكة مع القوى السياسية الكبرى في البلاد، وفي مقدمتها الحركة الإسلامية.

المتغيرات الداخلية والإقليمية والتحديات الكبيرة التي تواجه الدولة والمجتمع معاً تستدعي مقاربات مختلفة تماماً عن المقاربات الرسمية الحالية.

الغد

أضف تعليقك